mena-gmtdmp

كيف يرى الشباب معنى النجاح اليوم؟

معنى النجاح عند الشباب
معنى النجاح عند الشباب

لم يعد النجاح اليوم مفهوماً واحداً ثابتاً كما كان في السابق. فقد تغيّرت أولويات الشباب، وتبدّلت نظرتهم للحياة والعمل والإنجاز، في ظل الانفتاح العالمي، والتطور التكنولوجي، وازدياد الوعي بالصحة النفسية وتحقيق الذات. في الآتي، تشرح الاختصاصية في علم النفس جويل زعيتر ناصر الدين كيف يرى الشباب معنى النجاح اليوم، ولماذا لم يعد محصوراً بالمسارات التقليدية.

النجاح.. من مفهوم تقليدي إلى تجربة شخصية

تغيّر مفهوم النجاح بشكل جذري

في الماضي، كان النجاح يُقاس غالباً بمسار واضح ومحدد: الدراسة، ثم الحصول على وظيفة ثابتة، فالزواج، وشراء منزل، وتكوين عائلة. وكان هذا النموذج يُعتبر المسار "المثالي" أو الطبيعي للحياة.

أما اليوم، فقد تغيّر هذا المفهوم بشكل جذري. لم يعد النجاح قالباً واحداً يناسب الجميع، بل أصبح تجربة شخصية يحددها كل فرد وفق قيمه، اهتماماته، وأهدافه في الحياة. الشباب اليوم أكثر وعياً بذواتهم، وأكثر جرأة في اتخاذ قرارات قد تبدو غير تقليدية، مثل تغيير مجال العمل أو إعادة الدراسة في مراحل متقدمة من العمر. ولم يعد هذا يُنظر إليه كفشل، بل كدليل نضج وإدراك للذات.
قد يعجبك ما هي عادات العظماء؟

النجاح ليس مادياً فقط

لم يعد النجاح مرتبطاً فقط بالاستقرار المادي أو المنصب الوظيفي. فالكثير من الشباب باتوا يبحثون عن المعنى، الشغف، والرضا الداخلي. أصبح السلام النفسي، والنمو الشخصي، وتحقيق الذات عناصر أساسية في تعريف النجاح.

نلاحظ اليوم اتجاهاً متزايداً نحو المهن الحرة، والعمل عن بُعد، وصناعة المحتوى، حيث يجد الشباب مساحة للتعبير عن أنفسهم وتحقيق استقلاليتهم. هذا التحول يعكس حاجة داخلية للشعور بالحرية والمرونة، بعيداً عن القيود التقليدية لساعات العمل الثابتة.

النجاح كتوازن لا كضغط

من المفاهيم المهمة التي تغيّرت أيضاً، هو الربط بين النجاح والتوازن. في السابق، كان النجاح يُقاس بالعمل المتواصل والتضحية المستمرة، حتى لو أدى ذلك إلى الإرهاق النفسي أو الاحتراق الوظيفي.

اليوم، وبفضل ازدياد الوعي بالصحة النفسية، أصبح النجاح مفهوماً أكثر شمولاً. نعم، العمل والإنجاز مهمان، لكن ليس على حساب الصحة النفسية، أو العلاقات العائلية، أو الحياة الشخصية. صار كثير من الشباب يقيّمون نجاحهم من خلال جودة حياتهم، وليس فقط من خلال إنجازاتهم المهنية.

الصحة النفسية في صلب النجاح

من أبرز التحولات في مفهوم النجاح اليوم، هو إدراك العلاقة المباشرة بين الصحة النفسية والنجاح الحقيقي. لم يعد من المقبول الاستمرار في وظيفة تسبّب استنزافاً نفسياً فقط لأنها "آمن" أو "مستقرة".

نرى اليوم شباباً يتخذون قرارات جريئة، مثل ترك وظائف مستقرة، لأنهم أدركوا أن النجاح لا يمكن أن يتحقق على حساب راحتهم النفسية. هذا الوعي الجديد يعكس فهماً أعمق لمعنى النجاح كحالة انسجام داخلي بين العمل والحياة.

التنوع المهني علامة تطور لا تشتّت

الأخصائية في علم النفس جويل زعيتر ناصرالدين

في الماضي، كان يُنظر إلى تغيير المسار المهني أو العمل في أكثر من مجال على أنه تشتّت أو عدم استقرار. أما اليوم، فقد تغيّرت هذه النظرة. أصبح التنوع في الخبرات والاختصاصات دليلاً على المرونة، التطور، واكتساب مهارات متعددة.

بات من الطبيعي أن يعمل الشخص في أكثر من مجال في الوقت نفسه، سواء بدافع الشغف، أو الرغبة في تطوير الذات أو استثمار طاقاته المتنوعة. هذا التنوع لم يعد عيباً، بل أصبح مؤشراً على الوعي والطموح.

النجاح كأثر ومعنى

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح كثير من الشباب يبحثون عن الأثر، لا فقط عن الدخل. هناك رغبة حقيقية لدى البعض في أن يكون لعملهم معنى وتأثير إيجابي في الآخرين والمجتمع.

نرى أشخاصاً يمارسون وظائفهم التقليدية، لكنهم في الوقت نفسه يشاركون خبراتهم عبر محتوى هادف، ويشعرون بالرضا لأنهم يساهمون في دعم الآخرين أو نشر الوعي والمعرفة. هذا الإحساس بالأثر بات مقياساً أساسياً للنجاح لدى الكثيرين.

إذاً تغيّر مفهوم النجاح؟

تعود هذه التحولات إلى عدة عوامل، أبرزها:

  • الانفتاح التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي
  • تغيّر طبيعة سوق العمل.
  • ازدياد الوعي بالصحة النفسية.
  • أهمية الحرية والاستقلالية.
  • ضرورة التعلّم المستمر والتطوّر الذاتي.

لم يعد النجاح اليوم خطاً مستقيماً أو نسخة مكررة من تجارب الآخرين، بل أصبح مساراً شخصياً متنوعاً، يتشكّل مع الوقت، ويراعي الشغف، التوازن، والصحة النفسية.
ما رأيك متابعة اقتباسات تبرز أهمية الاجتهاد والجدية بالحياة

يعكس تغيّر مفهوم النجاح عند الشباب وعياً جديداً بالحياة. فالنجاح لم يعد هدفاً واحداً ثابتاً، بل رحلة متغيّرة، تتطلّب شجاعة، مرونة، وصدقاً مع الذات. إنه نجاح يوازن بين الإنجاز والراحة، بين الطموح والإنسانية، وبين العمل والمعنى.