شيف إماراتية حائزة على جوائز مرموقة، ورائدة أعمال معروفة بتقديمها المبتكر للمطبخ الإماراتي المعاصر. والتي تستلهم وصفاتها من إرث عائلتها وشغفها بالمكوّنات الطازجة والعضوية؛ لتقدّم أطباقاً تمزج بين النكهات العربية واللمسات العصرية. في عام 2024، أصبحت أول مواطنة إماراتية تفوز بجائزة "أفضل فنون الطهي" الذهبية في فرنسا. وهي عضو لجنة تحكيم في مسابقات الطهي والقهوة الإقليمية، كما تم تعيينها سفيرة للمطبخ الإماراتي على الساحة العالمية والدولية.
إعداد: لينا الحوراني
هي الطاهية مريم المنصوري، التي نستضيفها في يوم المرأة الإماراتية 2025، والذي تم اعتماده تحت شعار: "يداً بيد نحتفي بالخمسين". أسست الطاهية مريم مطعم وكافيه مونتوك بوتيك في أبوظبي، ثم أطلقت مؤخراً مطعم "كشتة أمينة" في الشارقة، وهو مشروع مستوحًى من والدتها ومن جميع الأمهات الإماراتيات؛ حيث يقدّم وصفات تقليدية راقية، ويكرّم الإرث الأمومي من خلال الأطباق والدفء والضيافة الأصيلة.
طبخةُ مَن أطيب؟

وُلدت الشيف مريم المنصوري في بيت، كانت رائحة الطبخ فيه جزءاً لا يتجزأ من أيامه العادية، وكان عبق الأطباق الشهية حاضراً في كلّ زاوية من زوايا المنزل. تتابع قائلة: "كان لدينا مطبخان؛ حيث كان والدي يهوى الطبخ مثل أمي. وكانت بينهما منافسة يومية ممتعة: مَن طبخه أطيب؟ من نالت أطباقه إعجابنا أكثر؟ وهذه الأجواء زرعت في داخلي حب المطبخ من دون أن أنتبه. كبرت وأنا أشعر بأن الطبخ ليس مجرد مهارة؛ بل هو شيء نشأت عليه، وقد أصبح جزءاً من شخصيتي اليوم، كما كان حاضراً تماماً في مرحلة الطفولة. وكان أول طبق أعددته بمقادير مضبوطة، هو طبق الباشاميل. كنت صغيرة ومتحمسة لتجرِبة شيء جديد بنفسي، وقد شاهدت الوصفة في أحد البرامج التليفزيونية. دخلت المطبخ بكلّ ثقة وبدأت بتحضير طبقات المعكرونة، وخلطة الدجاج، والصوص الأبيض. كان لديّ شعور بأنني شيف محترفة؛ خاصة أنني استخدمت الميزان واتبعت الخطوات بطريقة دقيقة واحترافية. ومنذ ذلك الوقت، أصبح طبق الباشاميل من أقرب الأطباق إلى قلبي؛ لأنه يذكّرني ببداية مشواري ونجاحي الأول في عالم الطبخ.
أؤمن بأن احترام الجذور هو أساس الابتكار، ولهذا أحرص أن تكون كل وصفة من وصفاتي امتداداً للماضي، ولكن بلغة العصر الحاضر
من بيت مريم الشيف سلام دقاق: أحبي طبختك واصنعيها لقلبكِ وروحك
المطبخ الاماراتي وعبق النكهات

تصف لنا الطاهية مريم، مكنون الطبق الإماراتي وأسراره؛ قائلة: "المطبخ الإماراتي غني بتفاصيله وعبق نكهاته، وهو انعكاس حقيقي لتاريخ المنطقة وتنوّع ثقافتها. ومن الأسرار التي أحرص على إبرازها في أطباقي، أن لكلّ مكوّن دوراً وقيمة، ولا يتعلق الأمر فقط بالنكهة؛ بل في القصة التي يحملها. ومن هنا لا تخلو أطباقنا من البهارات العطرية، والأرز، واللحوم، والأسماك. ولكن ما يميز المطبخ الإماراتي حقاً، هو التوازن بين البهارات وقوام الطعام. وحين أقدّم الأطباق بلمسة عصرية؛ فإنني لا أسعى إلى تغيير هوية الطبق؛ بل إلى إعادة تقديمه بطريقة جميلة وجديدة. وأنا أؤمن بأن احترام الجذور هو أساس الابتكار، ولهذا أحرص على أن تكون كلّ وصفة من وصفاتي امتداداً للماضي، ولكن بلغة العصر الحاضر.
تجد مريم أن لكلّ مطبخ هويته، وفي المطبخ الإماراتي، يحتل الزعفران مكانةً خاصة لا يمكن الاستغناء عنها. تستدرك قائلة: "أتذكر تماماً كيف كانت والدتي تخبّئ علبة الزعفران وكأنها تُخفي شيئاً ثميناً، كما تُخزّن الأمهات المال في الخزانات. كانت تعتبره الكَنز الحقيقي لنكهة الطعام. وبالنسبة لي؛ فإن الزعفران هو الأساس، ولكن سر النكهة يكمن أيضاً في كيفية مزجه مع باقي البهارات. مقدارنا في "كشتة أمينة" هو يدنا، نطبخ بالإحساس لا بالمقياس، ونترك للنكهة أن تَهدينا إلى الطريق.
الشيف التنفيذي منى المنصوري: درست المطبخ العالمي لكنني مزجته بالأطباق الإماراتية
كلّ طبق يحكي قصة

من الطرائف التي تحدث مع الطاهية مريم في المطبخ، أنها لا تحب حساب الوقت بدقّة؛ خصوصاً خلال اللحظات الأخيرة من تجهيز الطبق. تتابع قائلة: "لأنني عندما أسأل الشيف عن الوقت المتبقي لتسليم الطبق، يجيب مثلاً: (خمس ثوانٍ)؛ فأبدأ العدّ بصوت مرتفع: واحد، اثنان، ثلاثة. وإذا انتهوا فعلاً في اللحظة نفسها، يصفّق الجميع، ونضحك ونحتفل كأننا فزنا بكأس في بطولة! وهذه التفاصيل البسيطة تُضفي على أجواء المطبخ روحاً مرحة وحماسية".
وعن خيارات الناس في الإمارات بالنسبة للطعام، تقول: "أنا أرى أن خيارات الناس في الإمارات أصبحت أوسع وأكثر تنوّعاً عن أيّ وقت مضى. هناك وعي متزايد بالنكهات، وفضول لاكتشاف أطباقٍ من مطابخ جديدة، وفي الوقت نفسه، ما أزال أرى ارتباطاً قوياً بالمأكولات المحلية والتقليدية. الناس اليوم لا يبحثون فقط عن الطعام؛ بل عن التجرِبة أو عن طبق يحكي قصة أو نكهة تلامس الذكريات. وهذا ما يجعل الطهي في الإمارات ممتعاً وتحدياً في آنٍ واحد؛ لأن الجمهور متذوّق، ومُحبٌ للتجديد من دون أن يتخلى عن أصالته. ولهذا السبب، صمّمنا "كشتة أمينة" لتكون أكثر من مجرد مطبخ؛ بل رحلة تحاكي الحواس وتأخذنا في عالم الذكريات، من مطحنة القهوة القديمة إلى الهاتف التراثي؛ فقد قمنا باختيار كلّ تفصيل في المكان بعناية؛ ليأخذ الزائرَ في تجرِبة متكاملة تحكي روح المكان والزمان. ويسعدنا أن نكون من القلائل الذين يقدّمون المطبخ الإماراتي الأصيل بروح معاصرة وأسلوبٍ مبتكَر. أتذكّر مثلاً كيف كانت رائحة الهيل والزعفران تعبق بأرجاء المنزل كلّ صباح في أيام الإجازة. وكنت أراقب والدتي وهي تُشكّل الخبز المحلّى أو الجباب بحركاتها الدائرية بكلّ هدوء ومهارة. وبعد أن تنتهي من إعداد كميات كبيرة من الخبز، كنّا نوزّعه على بيوت الجيران بمحبة، ثم نعود لنتناول فطورنا معاً على مائدةٍ مليئة بالدفء والطيبة والحنان".
في يوم المرأة الإماراتية: إماراتيات تصدرن غلاف «سيدتي»
الناس اليوم لا يبحثون فقط عن الطعام؛ بل عن التجرِبة أو عن طبق يحكي قصة أو نكهة تلامس الذكريات. وهنا تجتمع المتعة والتحدي في آنٍ واحد
نكهات إماراتية تعبّر عن هويتنا

لم تتقن مريم طبق مجبوس الهامور إلا بعد العمل عليه عدة مرات، تستطرد قائلة: "كان هذا من أكثر الأطباق الإماراتية التي لم أتقنها من المحاولة الأولى. كنت أُغيّر التتبيلة في كلّ مرة، ولم أكن أحصل على نفس النكهة التي كانت والدتي تُحضّرها. لكن مع التكرار والمساعدة من والدتي، تعلّمت كيف أُوازن البهارات وأُحافظ على نكهة الهامور من دون أن تطغى عليها النكهات الأخرى. واليوم، أصبح من الأطباق التي أفتخر بتقديمها بكلّ ثقة. وبالنسبة لي، يكمن السرّ في اللمسة الأخيرة، ودائماً ما أحرص على أن أُدخل من خلالها نكهات إماراتية تعبّر عن هويتنا. فعلى سبيل المثال، في طبق (حمسة الزهرة)، أُضيف مزيجاً من البهارات الإماراتية والبزار؛ لمنحه عمقاً ونكهة مميزة. أما في سلطة الذرة؛ فأحب أن أُنهيها بإضافة جبنة (الجامي)، التي تُضفي ملوحة خفيفة ولمسة غير متوقعة، ولكنها نكهةٌ محببة".
تقدم الطاهية مريم، في مطعمها "كشتة أمينة" وصفات تقليدية راقية تكرّم الإرث الأمومي، من خلال الأطباق والدفء والضيافة الأصيلة، وهي، كما تقول، لا نقدّم مجرد أطباق، وإنما تروي الحكايات، تستطرد بشغف دافئ: "المطعم يحمل اسم والدتي "أمينة"، وهي التي كانت مصدر إلهامي الأول في الطهي، وكلّ زاوية فيه تعكس روحها ودفئها. وما يميز أطباق الجيل القديم، هي البساطة التي تُخفي خلفها عمقاً كبيراً من النكهات وأساليب الطبخ. هذه الأطباق لم تكن تُحضَّر من وصفات مكتوبة؛ بل من ذاكرة اليد والقلب، ومقدار الحب فيها كان دوماً المكوّن الأساسي. نحن نكرّم هذا الإرث الأمومي من خلال الحفاظ على النكهات الأصلية، وتقديمها بروح معاصرة من دون أن تفقد جوهرها؛ حتى نُبقي الذكريات حيّة في كلّ لقمة". تخيّلت الطاهية مريم نفسها في مأدبة عربية، والتي كانت ستعِد من خلالها للحاضرين ما يتناسب مع أذواقهم، تتابع قائلة: "لو كنتُ حاضرة في مأدبة عربية؛ فسأحرص بالتأكيد على اختيار أطباق تُرضي جميع الأذواق، وتجمع بين النكهة والأصالة. سأبدأ بالمقبّلات الإماراتية مثل: خبز الرقاق مع دبس التمر والجبن، ثم أُقدّم أطباقاً رئيسية مثل: مجبوس اللحم أو الهريس، مع إضافة لمساتي الخاصة في التوابل وطريقة التقديم. وبالطبع، سيكون للحلويات الإماراتية نصيبٌ على المائدة، مثل: اللقيمات؛ فكلّ طبق يحمل حكاية أصيلة من التراث".
الطهي مساحة للتعبير

الشيف الاماراتية مريم المنصوري
تشرّفت مريم بحضور العديد من الاجتماعات والفعاليات الوطنية والعالمية، لكن أقرب اللحظات إلى قلبها، كما تقول، كانت مشاركتها في الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة ولقاءها مع الشيخ منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس الدولة نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس ديوان الرئاسة بدولة الإمارات العربية المتحدة، والشيخ سيف بن زايد آل نهيان هو نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية في دولة الإمارات العربية المتحدة. تعلّق: "هي لحظة فخر لا تُنسى، وازداد وقعها أثراً في نفسي لكوني كنت برفقة عائلتي؛ مما أضفى على التكريم طابعاً أكثر عمقاً وخصوصية.
تنصح مريم كلّ امرأة بالدخول إلى المطبخ بروح المحبة والاحترام لما ورثناه عن أمهاتنا وجَداتنا. فالطبق التراثي، حسب رأيها، ليس مجرد مكوّنات؛ بل هو قصة وهوية. والأهم من المقادير هو أن تفهم الطاهية معنى الطبق، وسياقه، وتفاصيله الصغيرة التي لا تُكتب في الوصفات؛ بل تُنقل بالملاحظة والحب. تعلّق: "أوصي دائماً بالطبخ بصدق ومحبة؛ فالمذاق الحقيقي يأتي من القلب الذي يعطي، قبل اليد التي تطبخ وتضع المقادير. ورسالتي لكلّ امرأة إماراتية، أن تؤمن بنفسها وبما تحمله من إرث غني وثقافة عظيمة؛ فمجال الطهي ليس مجرد مهنة؛ بل هو مساحة للتعبير عن الهوية الوطنية الإماراتية والارتباط بالجذور، ومشاركة العالم جزءاً منّا ومن ثقافتنا الغنية. أن تكوني طاهية إماراتية، يعني أن تحملي مسؤولية كبيرة: أن تحافظي على النكهة وتنقليها للأجيال القادمة، وتقدميها للعالم بفخر. لا تخافي من التجرِبة، واعملي بحبّ؛ فكل طبق تطبخينه هو رسالة إلى العالم من قلبك وروحك.
تُولي مريم أهمية كبيرة للعائلة، وتُشرك زوجها وأبناءها الستة في جميع جوانب عملها في المطاعم، بما يعكس قيمها الأساسية في العمل الجماعي وروح المجتمع. وبالإضافة إلى عملها في مجال الطهي، تحمل مريم شهادات علمية عليا، وتشغل منصباً حكومياً؛ مما يعزز دورها كنموذج ملهِم للمرأة الإماراتية، وسفيرة للمطبخ الإماراتي على الساحة العالمية.
بتوجيهات الشيخة فاطمة: "يداً بيد نحتفي بالخمسين" شعار يوم المرأة الإماراتية 2025