«الأسرة، الأهداف الإنمائية للألفية والإيدز في الشرق الأوسط» عنوان ندوة نظّمها «معهد الدوحة الدولي للدراسات الأسرية والتنمية» مع «برنامج الأمم المتحدة للإيدز» UNAIDS ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) UNICEF في الدوحة. واتفق المجتمعون على أنّه يجدر بالحكومات أن تمنح القوة للعائلة، وتحثّها على أن تكون المدافع الأوّل ضد وصمة العار والآثار السلبية التي تصاحب حاملي فيروس نقص المناعة البشرية ومرض الإيدز.
«سيدتي» حضرت هذه الندوة وعادت بالتحقيق التالي:
14% من مرضى الإيدز يتلقون العلاج في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»
وفقاً للبحوث المنشورة، فإنّ الفتيات والنساء في عدد من الدول النامية يحملن عبء فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) بنسبة تتجاوز أضعافاً ثلاثة مقارنة مع مناطق أخرى من العالم، وذلك لاضطرارهنّ إلى ترك مقاعد الدراسة أو العمل للاهتمام بأفراد العائلة المصابة. ويصبح هذا العبء أكبر عندما تكون الفتيات يتيمات ويتولّين الاهتمام بإخوتهنّ الصغار.
وتقول المديرة الإقليمية لبرنامج الأمم المتحدة للإيدز هند خطيب إن «نسبة الأشخاص الذين يتلقون العلاج من العدد الكلّي للمرضى تبلغ 14% في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
بدوره، يشدّد مدير «معهد الدوحة الدولي للدراسات الأسرية والتنمية» الدكتور ريتشارد ويلكنز أن «فيروس نقص المناعة البشرية لا يعتبر مشكلةً للمجتمعات الصغيرة والمعزولة فحسب، ويجدر بالعائلة أن تلعب دوراً محورياً في التعامل مع النتائج التي تتأتى من الإصابة بهذا الفيروس والتي حطّمت اقتصاد العديد من الدول حول العالم»، مضيفاً: «تعمل الندوة على تسليط الضوء على الإجراءات المختلفة التي يمكن أن يتّخذها الاختصاصيون الصحيون وممثلو الحكومات والمجتمع المدني للمساعدة ودعم حاملي فيروس نقص المناعة البشرية وعائلاتهم».
وبناءً على ما ورد من منظمة «اليونيسيف» لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ماتزال أعداد كبيرة من الشباب والنساء والأطفال تعاني من فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم النتائج الإيجابية التي تمّ إنجازها خلال السنوات العشر الأخيرة. ففي العام 2009، بلغ عدد الأطفال المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية 6400 طفل، كما ارتفع عدد الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 0 و14 سنة المتعايشين مع مرض فيروس نقص المناعة البشرية (الإيدز) في العام 2009 إلى 21,000 طفل، فيما وصل عدد الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين سن الـ 15 و24 والمتعايشين مع المرض إلى 94,000.
وكانت ندوة قطر شدّدت على أهمية زيادة الوعي بين الشباب والنساء والأطفال في السعي نحو تحقيق هدف الحدّ من انتشار فيروس نقص المناعة البشرية و(الإيدز) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تضمّنت المحاور التي تمّت مناقشتها وسائل القضاء على انتقال المرض من أم مصابة لطفلها، والعمل على توفير برامج شاملة للوقاية من المرض والتي تخاطب الأطفال والشباب الذين يشكّلون أكثر الفئات المعرّضة للمرض، فضلاً عن تأثير العائلة على السلوكيات الخطرة.
واقع «الإيدز» في الدول العربية
على هامش هذه الندوة، حاورت «سيدتي» المديرة الاقليمية لبرنامج الأمم المتحدة للأيدز هند خطيب التي تحدّثت عن مشكلات «الإيدز» وتحدّياته للوصول إلى الأهداف المرجوة في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
كيف تقيّمين هذا اللقاء على صعيد تعاون الجمعيات الأهلية والاختصاصيين لمكافحة «الإيدز»؟
تعود أهميّة هذا اللقاء إلى أنّه جمع الشركاء من الجمعيات الأهلية والمدنية والاختصاصيين من خارج الإقليم ومجموعة من المصابين بنقص المناعة ورجال الدين لدورهم الهام في توجيه الأسرة والوقاية للحدّ من انتشار «الإيدز». وقد تطرّق البحث إلى دور الأسرة في هذا المجال، في محاولة للوصول إلى الأهداف الإنمائية الألفية، كما المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الناتجة عن «الإيدز» والفئات المهمّشة والأمهات الحوامل وكيفية نقل العدوى من الأم إلى طفلها.
هل من تقدّم على صعيد التوعية والوقاية من عدوى «الإيدز» في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟
ماتزال مجتمعاتنا تعاني من الوصمة والتمييز، ونظرة المجتمع لم تتغيّر رغم أننّا نعمل منذ 25 سنة من خلال برامج هادفة، إلا أن الوعي مايزال ضعيفاً. وتتمحور المشكلة في أن بعض الحكومات العربية والشركاء المعنيين يعتبرون أن أرقام الإصابة بالمرض ليست كبيرة في الإقليم، وبالتالي فإنّ مكافحة «الإيدز» ليست أولوية! صحيح أن نسبة الإصابة تبلغ 0,1 %، ولكنّ المؤشّرات تشير إلى أن هناك فئات أكثر عرضةً للإصابة وهي الفئات المهمّشة، كمتعاطيّ المخدرات عن طريق الحقن والعاملات بالجنس والمثليين، إلى جانب من يعانون من الكوارث والمشكلات والهجرة.
ما هي نسبة انتشار «الإيدز» في الوطن العربي مقارنة مع دول العالم؟
تغيب الدراسات الشاملة في الإقليم، كما أننّا نعاني من دفع بعض المسؤولين في اتجاه حجب نشر بعض الدراسات المتعلّقة في حال تناولت بلداً معيّناً! لذا، لا تعدو غالبية الإحصائيات كونها تقديرية، فيما تثبت الدراسات تضاعف الأرقام وتفاقم المشكلة. نحن نجهد للحصول على دراسات علمية تنفّذ في جميع الدول بغية الوصول إلى أرقام واضحة لمعرفة المرض والفئات الأكثر عرضةً لوضع استراتيجيات هادفة بالتعاون مع جميع الدول. لذا، ندعو الجميع إلى التعاون في بناء أجهزة مراقبة وتقييم ووضع دراسات من الممكن أن تساعد، في هذا المجال.
هل نجحتم في نشر ثقافة الفحص المبكر في مجتمعاتنا المحافظة؟
ندعو الدول إلى تحفيز الفئات الأكثر عرضةً للخضوع إلى الفحص الطوعي، على أن يكون هذا الأخير سرياً، علماً أنّه يغيب الفحص السري الذي يحفظ حق المريض، مع التشديد على الحدّ من الوصمة والتمييز. وبالطبع، تلعب مبادرات مماثلة، كما العمل مع مؤسسات كـ «الدوحة للأسرة والتنمية»، دوراً في توسيع نظرة المجتمع العربي والنطاق السياسي، وبالتالي يسهل إيصال رسالة التوعية وحثّ المعنيين على إجراء الفحص في سريّة تامّة...
تعتبر الوصمة أو التمييز أشدّ إيلاماً من المرض. هل يعوق هذا الأمر العمل على الوقاية؟ وهل يؤخّر تشخيص المرض؟
بالطبع، وقد دفعنا هذا الأمر إلى العمل مع القطاع المدني بهدف توسيع الشراكة مع الشباب والإعلام ورجال الدين والمتعايشين مع الفيروس، فمهما كبرنا كمؤسسات دولية هادفة إلى تقديم المعونة، فإنه من الهام أن تأتي المساعدة من الداخل. الشباب معرضون لممارسات قد تشكّل خطورةً لناحية ممارسة العلاقات خارج إطار الزواج أو تعاطي المخدرات. ونعمل على حفظ مكان للمتعايش مع المرض في المجتمع وأن تصان كرامته، كما نساهم في إزالة الوصمة من البرامج الهادفة والمجتمع المدني وتوسيع حلقة الشركاء، ونشدّد على دور المرأة ووالعائلة في هذا المجال.
ما هي التحديات التي تواجه برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالإيدز للحدّ من انتشار العدوى؟
لعلّ أكبر تحدّ هو الالتزام السياسي! لقد شاركت حكومات الإقليم في الاجتماعات العالمية، كما التزمت وثيقة الإعلان السياسي نتيجة اجتماعها تحت مظلة الأمم المتحدة، وبحث الممثلون عنها على مدار أيّام ثلاثة إنجازات «الإيدز». وتكمن تحديات الإعلان السياسي في تجديد الالتزام السياسي نحو «الإيدز»، كما العمل على الحدّ من انتشاره، مع ذكر دور الإعلام والأسرة ورجال الدين وتقبّل المتعايشين مع المرض، وصولاً حتى الأدوية المعالجة.
هناك 40 دولة في أفريقيا حدّت من انتشار المرض بسبب تحسين برامج المراقبة وزيادة الوعي للفحص الطوعي وبرامج ومتابعة للتقييم أكثر، إلا أنّ هناك أقاليم ازداد فيها الانتشار كأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ماذا ستقدّمون لدعم الدول المعنية؟
نقدّم الدعم الفني المتمثّل في وضع الدراسات وتعزيز برامج الدعم كالمراقبة وتدريب الكوادر ووضع الأسس السليمة للعلاج والحدّ من انتشار المرض، فضلاً عن العمل مع القطاع المدني وتقويته ودعمه ليصل إلى المجتمعات المحلية.
إلى جانب التحديات، هل من إنجازات؟ وهل كانت هذا الأخيرة قدر المتوقّع؟
لعلّ أبرز الإنجازات النهوض في الدعم السياسي في الإقليم، كما جلب دول الخليج ومن بينها السعودية التي نشكر قيادتها على استجابتها وعملها الجاد للحدّ من انتشار «الإيدز».
وتتمثّل أهمّ إنجازاتنا في النهوض بدور المجتمع المدني ودعمه، ولدينا شبكة للمتعايشين مع «الإيدز» في العالم العربي مقرّها لبنان وانتشارها واسع في الدول العربية، إلا أنها لم تكن موجودة في دول الخليج. أمّا اليوم، ومع دخول المملكة العربية السعودية فيها، نأمل أن تتبعها سائر الدول الخليجية لتنهض بدورها في تفعيل القطاع المدني وتقويته، كما تقديم المعلومات والبحث عن موارد مالية ليستفيد منها المتعايشون في الدول والمهمّشون.
علاج واعد للإيدز
> تحدّث الاختصاصي في الأمراض الجرثومية الدكتور جاك مخباط لـ «سيدتي» عن جدوى العلاجات الجديدة للإيدز، قائلاً: «أثبتت هذه العلاجات فعاليتها، علماً أن الأشخاص المتعايشين مع الفيروس يحظون بأمل حياة متناسب مع أي شخص آخر من عمرهم»، مضيفاً «أن الدراسات أثبتت فعالية العلاج واستراتيجية الوقاية من الأم إلى جنينها بحماية العدد الوافر من الإصابات لدى الأطفال، وأن العلاج يخفض من الشحنة الفيروسية عند الأشخاص ويجعلهم أقل خطراً لنقل الفيروس إلى الآخرين، وأن اعتماد سياسات الوصمة والتمييز والقوانين الاعتباطية والمنافية لحقوق الإنسان تجعل من هؤلاء الذين تعرضوا أو يظنون أنهم تعرّضوا إلى الإصابة بالفيروس من جرّاء سلوكيات قد تكون محفوفة بالخطر تجعلهم يهربون من الفحص المخبري والعلاج الطبي، فيؤدّي ذلك إلى الحفاظ على «خزّان» من الفيروس في المجتمع يواصل في الانتقال! لذا، فإنّ هؤلاء الأشخاص المتعايشين مع الفيروس هم الأكثر فهماً للمصاعب والمشكلات والمآسي التي يواجهها المتعايش، وهم الأكثر التزاماً بالقيام بحملات التوعية والشهادة في سبيل تثقيف الشباب والمجتمع عموماً لاعتماد الوقاية».
ويشير إلى أن دراسات حديثة ساهمت في اكتشاف هدف في الفيروس، نستطيع من خلال إصابته ببعض العقاقير قتله، وربما التخلص منه نهائياً في جسم الإنسان، وماتزال هذه الدراسات رهن البحوث المخبرية البدائية. فالأمل حقيقي، ويجدر الحفاظ على لحمة المجتمع وتقوية العائلة لمواجهة هذه المصاعب».
«أسماء»: فيلم مصري عن «الإيدز»
> تمّ، خلال هذه الندوة، عرض مشاهد من فيلم «أسماء» من إخراج عمر سلامة وبطولة هند صبري، تدور قصته حول امرأة أصيبت بفيروس نقص المناعة البشرية، وواجهت الوصمة والتمييز في مجتمعها ورفض الجسم الطبي لعلاجها، ثم ما لبثت أن لاقت الدعم من مجموعة من أشخاص متعايشين وقرّرت الظهور على شاشة التلفزيون للتحدّث عن أزمتها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الفيلم مستوحى من قصة واقعية تفاصيلها مؤلمة أكثر ممّا عرضه الفيلم! ويفيد سلامة «أنّه لو وضعت أحداث القصّة الحقيقية كما هي لما كان أحد صدّقها لما فيها من قسوة وأحداث أليمة»، مضيفاً «أنّه حاول من خلال هذا الفيلم أن يحصل على تضامن المشاهد مع المريض بدون أن يصاب بالصدمة، وأن يجعله يفكّر بالمرض ويطرح الأسئلة حوله وعن كيفية التعاطي معه ومع المريض».