خصص العالم يوم 21 سبتمبر من كل عام ليكون "اليوم العالمي للزهايمر" ليس بغرض الاحتفاء بما أحرزه العلم من تقدم في التشخيص والعلاج فحسب، بينما أيضاً كفرصة للتوعية من هذا المرض الذي بات شائعاً.
ويعد الزهايمر من التحديات الطبية الأكثر إلحاحاً، لأنه لا يؤثر على المريض فقط ويدمر خلايا دماغه وذاكرته، إنما يؤثر على المجتمع ككل، خصوصاً الأسر التي لديها مريض زهايمر وعليها الاهتمام به.
إعداد: إيمان محمد
إلى أين وصل علاج الزهايمر؟
رغم الأبحاث العلمية للسيطرة على هذا الزهايمر إلا أنه مع تزايد أعداد كبار السن عالمياً، تشير التقديرات إلى أن أعداد المصابين ستتضاعف خلال العقود المقبلة، من ثم بات العالم بحاجة لمزيد من العمل على هذا المرض، الصورة ليست قاتمة إلى هذا الحد، لأنه على صعيد موازنٍ ثمة تطورات في التشخيص والعلاج تستحق الاحتفاء.
أدوية تُبطئ تطور المرض
لسنوات طويلة، كان علاج الزهايمر محصوراً في أدوية تتحكم فقط في الأعراض، مثل تحسين التركيز أو تخفيف الاضطراب السلوكي، دون أن تؤثر على وتيرة تطور المرض، ولكن قبل عام شهد العالم نقلة نوعية في العلاج، بعدما وافقت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على دواء Leqembi كموافقة تقليدية كاملة، ليكون أول دواء يبطئ فعلياً تقدم المرض عبر استهداف بروتين الأميلويد المترسب في الدماغ، وتشير الجارديان في تقرير حول هذا الدواء إلى أن هذه الموافقة لم تكن مجرد خطوة علمية، بينما بات بعدها دواء الزهايمر مشمولاً بالتأمين الصحي في عدة دول.
تقليل التدهور المعرفي

نجح الباحثون كذلك في تقديم دواء يحد من التدهور المعرفي لدى مرضى الزهايمر، ففي يوليو 2024 اعتمدت الـFDA دواءً جديداً هو Kisunla، يُعطَى بالحقن الوريدية مرة كل أربعة أسابيع، أظهرت التجارب أنه يقلل من التدهور المعرفي بنسبة ملحوظة، خاصة لدى المرضى في المراحل المبكرة، وحسب Alzheimer’s Association فإن هذا الدواء بروتوكوله العلاجي محدود المدة، حيث يمكن إيقافه بعد إزالة الأميلويد بدرجة كافية، وهو ما يفتح الباب لعلاجات أكثر مرونة في المستقبل.
حقن تحت الجلد
في مطلع العام الجاري وافقت الـFDA على صيغة حقن تحت الجلد مشتقة من Leqembi، يمكن إعطاؤها أسبوعياً بعد الانتهاء من فترة الحقن الوريدي، هذه الخطوة تمثل تطوراً عملياً مهماً؛ إذ تسمح للمرضى باستكمال العلاج في المنزل بسهولة أكبر.
الآثار الجانبية لأدوية الزهايمر
رغم التفاؤل الذي يحيط بالتطور الذي شهدته أدوية الزهايمر، لكن الأمر لا يخلو من الجوانب السلبية، فقد أظهرت بعض الحالات آثاراً جانبية مرتبطة بحالة عُرفت باسم "الوذمة الدماغية"، وهي حالة مرتبطة بالأجسام المضادة، مما يستلزم متابعة دقيقة بالتصوير بالرنين المغناطيسي خلال فترة العلاج، ومع ذلك يرى خبراء أن الفوائد تفوق المخاطر، خاصة أن الأدوية تستهدف شريحة المرضى في المراحل المبكرة، وهي الفئة التي يمكن أن تستفيد أكثر من إبطاء تطور المرض.
ثورة في تشخيص الزهايمر
صحيح أننا بدأنا بأمل العلاج، لكن التشخيص لا يقل أهمية، لأن التدخل المبكر يساعد في درء التبعات السلبية للزهايمر قبل ظهورها، من هنا فإن معايير الجمعية الوطنية للشيخوخة والـNIA-AA لعام 2024 قدّمت تحديثاً جذرياً؛ إذ لم يعد الزهايمر يُعرف فقط بأعراضه السريرية، بل أُعيد تعريفه كمرض "بيولوجي" يُشخص عبر مؤشرات محددة: تراكم الأميلويد، بروتين التاو الفسفوري، والتغييرات العصبية، هذا التحول يعكس رغبة المجتمع العلمي في اكتشاف المرض مبكراً قبل ظهور الأعراض، بما يتيح التدخل في وقت مبكر.
اختبارات الدم لتشخيص الزهايمر
من أكبر التحديات التي واجهت الأطباء سابقاً كانت صعوبة الوصول لتشخيص دقيق، فالفحوص الأكثر دقة مثل التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET) أو تحليل السائل الدماغي الشوكي (CSF) مرتفعة التكلفة، لكن التطور الكبير جاء في مايو 2025 حين وافقت الـFDA على أول اختبار دم يعتمد على قياس نسبة بروتين p-tau217 (بروتين تاو المفسفر من النوع 217) وبروتين بيتا أميلويد 42 (AB42).
هذا الاختبار يتيح إمكانية التشخيص في العيادات العادية بدقة تقارب ما توفره الاختبارات التقليدية، ووفقاً لدراسة نشرت في JAMA Neurology، فإن اختبار p-tau217 يتمتع بدقة تصل إلى 93% في التفريق بين الزهايمر وأشكال أخرى من الخرف.
اقرئي أيضاً الزهايمر: علاجات حديثة مساعِدة تُبطئ تطور المرض وتحسّن حياة المرضى وفق مختص
استراتيجية الخطوتين
حسب ما توصل إليه العلم، فإن الموصى به للتشخيص الدقيق هو استراتيجية الخطوتين، ما يعني الاعتماد على اختبار الدم أولاً، ثم إجراء فحوص أخرى مثل (CSF أو PET) لمزيد من الدقة، وتمكنت هذه الاستراتيجية من رفع دقة التشخيص بنسبة وصلت إلى 95%، مع توفير كبير في التكلفة وتقليل الحاجة إلى إجراءات معقدة.
تطبيقات رقمية لتشخيص الزهايمر
التكنولوجيا أيضاً كان لها دور في تعزيز تشخيص الزهايمر، فإلى جانب اختبارات الدم، يبحث العلماء طرقاً أكثر ابتكاراً مثل تصوير الشبكية للكشف عن علامات مبكرة مرتبطة بالزهايمر، وأيضاً استخدام تطبيقات ذكية وأجهزة رقمية يمكن أن تتابع التغييرات المعرفية للمريض مثل أنماط الكلام أو النشاط الذهني، ورغم أن هذه الأدوات لا تزال في طور البحث، إلا أنها تعكس مستقبلاً يتسم بالاعتماد على تقنيات غير غازية وسهلة الوصول.
مستقبل مرضى الزهايمر
مع كل هذه التطورات، يبرز سؤال جوهري: ماذا تعني هذه الاكتشافات للمريض؟ لا يزال مرض الزهايمر يشكل خطراً كبيراً على كبار السن، لكن دخول هذه الفحوص والأدوية الحديثة إلى دائرة التشخيص والعلاج سيغير من نمط التعامل مع المرض كلياً، إنما قد يستغرق الأمر وقتاً، فالكشف المبكر سيسمح للأطباء ببدء العلاجات في مراحل أولى، وبالتالي الحفاظ على جودة حياة المريض أطول فترة ممكنة، بينما ستوفر الأدوية الجديدة أملاً في إبطاء عجلة التدهور.
*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.