mena-gmtdmp

 تجربتي مع علاج القلق كانت ناجحة رغم الصعوبات

سيدة تعاني من اضطراب القلق
سيدة تعاني من اضطراب القلق

القلق يبدأ بشعور عابر، ثم يتحول إلى مرض عضوي غير مباشر؛ ورغم خطورته ومضاعفاته إلا أنه بات اكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً حول العالم. والمشكلة أن ما نسميه نحن "مجرد القلق" هو حالة قادرة على تعطيل حياة الإنسان، حيث يؤثر القلق على النوم والعلاقات والعمل والصحة بالطبع.
هناك تقارير طبية لا حصر لها تتحدث عن القلق، غير أن الحقيقة دائماً تأتي من التجربة الواقعية، لذلك التقت "سيّدتي" بالسيدة نجلاء، 41 عاماً، سيدة عانت من القلق وكاد ينهي حياتها قبل أن تعرف طريق العلاج.

إعداد: إيمان محمد

تجربة نجلاء مع اضطراب القلق

"كنت متأكدة أنني أصبت بأزمة قلبية"، هكذا بدأت نجلاء حديثها عن أول مرة بدأ القلق ينعكس على جسدها، وقالت: "كنت جالسة في غرفة المعيشة حين بدأ قلبي يخفق بسرعة غير معتادة، والتنفس بات وكأنه خارج جسمي لا يمر بالرئة، يداي ترتعشان، وأتصبب عرقاً يغطي جسدي". وتضيف "اعتقدت بأنني سوف أموت، وأن أولادي سيستيقظون صباحاً فلا يجدونني".
في قسم الطوارئ، جاءت الفحوص الطبية مطمئنة، القلب سليم، الضغط في المعدل الطبيعي، ولا يوجد ما يشير إلى مشكلة عضوية خطيرة. لكن الطبيب سألها بهدوء عن الضغوط التي تمر بها، عن نومها، وعن خوفها الدائم من المستقبل. ثم قال جملة غيّرت مسار القصة: "غالباً هذه نوبة هلع مرتبطة بالقلق".

ما هو اضطراب القلق؟

اضطراب القلق العام يجعل صاحبه يعيش حالة من القلق المستمر والمبالغ فيه حيال تفاصيل الحياة اليومية، مع أعراض جسدية مرهقة مثل الخفقان والصداع والتوتر العضلي وصعوبة التركيز.
وتشير هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا NHS إلى أن القلق يصبح اضطراباً يحتاج إلى علاج إذا استمرت أعراضه معظم الأيام لمدة لا تقل عن ستة أشهر، أو عندما يجعل الشخص عاجزاً عن ممارسة يومه بشكل طبيعي.

ما هي نوبات الهلع؟

سيدة في جلسة علاج نفسي- المصدر freepik

 

ما عاشته نجلاء يشبه تماماً ما تصفه Cleveland clinic عن نوبات الهلع المصاحبة لبعض اضطرابات القلق، فهي شعور مفاجئ بالخوف الشديد، مع أعراض جسدية قد تجعل المريض يعتقد أنه يتعرض لأزمة قلبية، رغم أن الفحوص لا تكشف عن مشكلة في القلب نفسه.
تقول نجلاء إنها قبل تلك الليلة التي كادت تشعرها بأنه يومها الأخير، لم تكن ترى نفسها مريضة بينما تعتبر أنها شخصية قلقة فحسب. وتقول "أقلق لأبسط الأشياء، إذا تأخر أحد أبنائي عن موعد العودة، إذا رأيت خبراً عن مرض خطير، إذا سمعت عن تسريح موظفين من شركة ما". القلق لدى السيدة نجلاء لم يكن مرتبطاً بحدث معين، بل بحالة مستمرة ترافق اليوم منذ لحظة الاستيقاظ وحتى محاولة النوم.

علامات اضطراب القلق

وهنا يفرق الأطباء بين القلق واضطراب القلق، أي المرحلة التي يصل فيها الأمر لحالة تهدد الحياة، ويقول الأطباء إن أعراض اضطراب القلق العام، هي كالآتي:

  • قلق مفرط حيال أمور عادية، مثل العمل أو الصحة او المال.
  • قلق يستمر شهوراً طويلة.
  • قلق يصاحبه توتر عضلي.
  • اضطراب في النوم.
  • شعور دائم بالتعب وصعوبة في التركيز.

تقول نجلاء: "كنت أنام وأنا أفكر: ماذا لو أصبت بمرض خطير؟ ماذا لو فقدت عملي؟ ماذا لو حدث مكروه لأحد أفراد أسرتي؟ ومع الوقت، لم أعد أستمتع بأي شيء، حتى المناسبات السعيدة كانت تمر وأنا مشغولة بفكرة سيئة قادمة".

متى يبدأ العلاج النفسي للقلق؟

في حالة نجلاء تقول: "بعد تكرار نوبات الخفقان والدوخة، قررت زيارة طبيبة نفسية. كنت أشعر في البداية بالحرج وأسأل نفسي: هل وصلت فعلاً إلى مرحلة زيارة طبيب نفسي؟".
وتضيف" "في الجلسة الأولى، طرحت الطبيبة أسئلة تفصيلية عن تاريخي الصحي، طريقتي في النوم، طبيعة العمل، الضغوط الأسرية، ثم بدأت تشرح لي مفهوم اضطراب القلق العام". أشارت طبيبة نجلاء إلى أن هناك سمات تؤكد الإصابة باضطراب القلق، مثل الشعور بالقلق مفرطة معظم الأيام لمدة لا تقل عن ستة أشهر، مع ثلاثة أعراض جسدية أو اكثر، مثل التوتر العضلي، الانفعال السريع، الإرهاق، صعوبة التركيز، واضطراب النوم.
اقرئي أيضاً الصحة النفسية بعد التقاعد: كيف تبقين نشيطة ومتفائلة؟

الخطة العلاجية للقلق

بحسب NHS هناك ثلاثة مسارات لعلاج اضطراب القلق العام تشمل: العلاج النفسي وخاصة العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، والادوية مثل مضادات الاكتئاب، إلى جانب تعديلات في نمط الحياة، وهي الخطة ذاتها التي ساعدت نجلاء في تخطي أزمتها مع القلق.
هذه كانت أيضاً خطة نجلاء:

العلاج الدوائي

بدأت نجلاء بتناول أدوية بهدف تخفيض حدّة القلق، حتى تستطيع الاستفادة من العلاج النفسي. وفي هذه المرحلة كان خيار الطبيبة هو مضادات الاكتئاب من نوع مثبطات استرجاع السيروتونين الانتقائية، بدأت نجلاء بجرعة منخفضة، وتحت متابعة منتظمة.

العلاج المعرفي السلوكي

بالتوازي مع الدواء، بدأت جلسات العلاج المعرفي السلوكي. تشرح نجلاء هذه التجربة قائلة: "تعلمت أن أتعامل مع أفكاري كأنني أشاهدها من الخارج. أكتب الفكرة القلقة، ثم أسأل نفسي: ما الدليل؟ ما الاحتمال الواقعي؟ هل أنا أفترض أسوأ سيناريو دائماً؟. وعندما كانت إجاباتي غير منطقية، بدأت بالتعافي".

نمط الحياة

جزء من خطة العلاج كان مجموعة تغييرات عملية، تشدد عليها أيضاً توصيات الأطباء، مثل:

  • تنظيم ساعات النوم والحرص على وقت ثابت تقريباً للنوم والاستيقاظ.
  • المشي اليومي ولو لنصف ساعة، كأبسط شكل من أشكال النشاط البدني الذي يساعد في تخفيف القلق وتحسين المزاج.
  • تقليل الكافيين والمنبهات، بعدما اكتشفت نجلاء أن كوب القهوة الثالث يزيد من خفقان قلبها وإحساسها بالتوتر.
  • ممارسة تمارين التنفس العميق والاسترخاء العضلي عند بداية نوبة القلق، كما تعلمت في الجلسات.

بعد عدة أشهر، تحسنت حياة نجلاء بشكل واضح، أصبحت تنام أفضل ونوبات الهلع انخفضت بشكل واضح، لكن ما حذرت منه السيدة الأربعينية هو "الانتكاسات" وقالت: "قد تتحسن الحياة تدريجياً، لكن يجب أن يعرف المريض أن هناك لحظات انتكاس وضعف يجب أن يتقبلها ويتعلم كيف يتعامل معها".


*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.