حين نشعر بالتعب الجسدي، يكون الحل بديهياً: نستلقي، نغفو، أو نأخذ قسطاً من الراحة. لكن ماذا عن العقل؟ هل يحتاج هو الآخر إلى استراحة؟ أم أن التفكير المستمر، والتحليل الدائم، والانشغال الذهني جزء طبيعي لا يتعب منه الإنسان؟.. "سيّدتي" حملت هذه الأسئلة إلى الاختصاصية في علم النفس فانيسا حداد، وعادت بالإجابات من خلال الموضوع الآتي.

العقل يشعر بالإرهاق.. تماماً كالجسم
العقل ليس آلةً ميكانيكية تعمل بلا توقف، بل هو عضو حيّ يحتاج إلى فترات من السكون والفراغ ليعيد ترتيب أفكاره، ويستعيد طاقته، ويستمر في الأداء السليم. وعندما نحرم العقل من الراحة، تبدأ الأعراض بالظهور تدريجياً، على شكل: تشتّت الانتباه، ضعف الذاكرة، العصبية، صعوبة في اتخاذ القرار، وحتى الإرهاق الجسدي من دون سبب واضح.
ما معنى راحة العقل؟
راحة العقل لا تعني التوقف عن التفكير كلياً، فهذا أمر مستحيل، بل تعني التحوّل من التفكير المجهِد إلى التفكير الهادئ أو الصمت الذهني المؤقت.
هي حالة من التوازن بين النشاط والتركيز من جهة، وبين الاسترخاء والتأمل من جهة أخرى.
فكما يحتاج الجسد إلى نوم عميق بعد جهدٍ بدني، يحتاج العقل إلى "مساحة فارغة" بين الأفكار ليتمكن من استيعاب وهضم ما يحدث حوله.
قد تهمك قراءة الريكي..طاقة الشفاء بداخلنا وتأثيرها على الجسم للتخلص من التوتر
لماذا نرهق عقولنا؟

في عصر السرعة والمعلومات، أصبح العقل في حالة تشغيل دائم.
نستيقظ على إشعارات الهواتف، نعمل ونحن نفكر بما بعد العمل، نأكل ونحن نتابع الأخبار، وننام وعقولنا لا تزال تدور في دوامة التفكير.
كل هذا يجعلنا في حالة إجهاد ذهني مزمن من دون أن نشعر.
الإرهاق العقلي لا يأتي فقط من التفكير في المشاكل، بل أيضاً من التفكير الزائد في كل شيء: القرارات، العلاقات، المستقبل، المظهر، وحتى أبسط التفاصيل اليومية.
وهذا النوع من النشاط الذهني المستمر يجعل العقل يستهلك طاقته بلا فائدة، تماماً كما يستهلك الجسم طاقته عند الجري في مكانه.
كيف نمنح العقل استراحة حقيقية؟
راحة العقل لا تتحقق بالنوم فقط، بل عبر مجموعة من الممارسات التي تساعد على تهدئة الذهن وإعادة التوازن الداخلي. إليك أبرز الطرق:
- الابتعاد المؤقت عن المحفزات: اغلقي الهاتف، ابتعدي عن الشاشات، واخلقي لنفسك مساحة هدوء بلا رسائل أو أصوات أو أخبار. هذا الصمت الخارجي يتيح للعقل فرصة للصمت الداخلي.
- التأمل أو التنفس العميق: لا يحتاج التأمل إلى طقوس معقّدة. يكفي أن تجلسي بهدوء، تركزي على تنفسك، وتتركي الأفكار تمر من دون التعلّق بها. هذه الدقائق القليلة تُشبه "نوماً خفيفاً للعقل".
- الوجود في اللحظة الحالية: بدلاً من التفكير بالماضي أو القلق من المستقبل، حاولي أن تكوني هنا والآن. لاحظي ما ترينه، ما تسمعينه، ما تشعرين به في جسدك؟ هذا النوع من الوعي يُخفف الحمل عن العقل بشكل كبير.
- الأنشطة التي تُخرجك من الرأس إلى الجسد: مارسي بعض الأنشطة مثل: المشي، الرسم، الطهي، أو الاستماع للموسيقى. هذه الأنشطة تُحوّل التركيز من التفكير إلى الإحساس، فتمنح العقل راحة طبيعية.
- النوم الكافي: أثناء النوم، يقوم الدماغ بتنظيف نفسه من "السموم العصبية" المتراكمة خلال اليوم، ويعيد تنظيم الذكريات والمعلومات.
- لذلك فالنوم ليس ترفاً، بل هو أحد أهم أشكال الراحة العقلية.
- التعبير عن الأفكار بدل كتمانها: التحدث، الكتابة، أو حتى البكاء، جميعها طرق تسمح للعقل بتفريغ ما بداخله. فالاحتفاظ بالأفكار والمشاعر كحبس الهواء داخل البالون، لا بد أن ينفجر في النهاية.
ما العلامات التي تدل على أن العقل يحتاج إلى راحة؟
- كثرة النسيان أو التشتت.
- الشعور الدائم بالإرهاق رغم النوم الكافي.
- سرعة الانفعال.
- الإحساس بأن كل شيء "كثير جداً".
- فقدان الحماس حتى للأشياء التي تحبينها.
عندما تشعرين بهذه العلامات، لا تحاولي دفع نفسك أكثر، بل تراجعي خطوة للوراء. ليس لأنك ضعيفة، بل لأنك إنسانة.
قد تهمك قراءة تجربتي مع تقليل التوتر وتأثيره على صحتي الجسدية
راحة العقل: خلاصة
وتختم اختصاصية علم النفس فانيسا حداد حديثها لـ"سيّدتي" قائلة:"راحة العقل ليست رفاهية، بل ضرورة للحفاظ على التوازن النفسي والجسدي.
فكما لا يمكن للجسد أن يعمل بلا توقف، لا يمكن للعقل أن يظل مشغولاً طوال الوقت.
الهدوء ليس وقتاً ضائعاً، بل إنه استثمار في طاقتك، في وضوحك، وفي قدرتك على التفكير بشكل أعمق وأنضج.
خذي لحظة، تنفّسي، واسمحي لعقلك أن يصمت قليلاً.
في ذلك الصمت، يبدأ الترميم الحقيقي".
*ملاحظة من "سيّدتي" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.





