ما الذي يجعل مدينة مثل هافانا لا تُنسى؟ هل هو عبق التاريخ الذي يسري في أزقتها القديمة؟ أم روح سكانها الذين يبثون الحياة في كل جدارٍ متآكل وكل زاويةٍ منسية؟ كيف تحولت هذه العاصمة الكاريبية من مستعمرة إسبانية إلى قلب نابض للثقافة والفن؟ وهل يمكن لزائرة اليوم أن تجد في شوارعها ما يُشبه الحنين، على الرغم من أنها لم تطأها من قبل؟ هافانا، المدينة التي تأبى أن تكون مجرد محطة سياحية، تنجح في أسر زوارها بسحرٍ خاص، لا يُشبه أي مكان آخر. من شوارع هافانا القديمة المزدحمة بالألوان والصخب، إلى الجداريات السريالية في فوستيرلانديا ومن هدير الأمواج على كورنيش ماليكون إلى لحظة صمت مهيبة ترافق إطلاق مدفع الساعة التاسعة مساءً كل زاوية من المدينة تطرح عليكِ سؤالاً: هل هذه مجرد جولة سياحية؟ أم تجربة إنسانية شاملة تعيد تعريف السفر في عالمٍ أصبحت فيه المدن الكبرى متشابهة، تحافظ هافانا على هويتها الكوبية الأصيلة، من دون تجميلٍ مصطنع. إنها تدعوكِ للمشي، للمراقبة وللاستماع إلى موسيقا الحياة التي تُعزَف في كل ركن؛ فهل تبحثين عن مكان تتداخل فيه طبقات التاريخ والفن والحب؟ وهل أنتِ مستعدة لاكتشاف مدينة لا تُكشف أسرارها بسرعة، بل تمنحها فقط لمن تصبر على تفاصيلها؟
انضمي إلى جولة مشي في هافانا القديمة

تُعَدُّ هافانا القديمة Habana Vieja أكثر من مجرد موقع تراث عالمي تابع لليونسكو؛ فهي مزيج من العمارة الرائعة والحياة اليومية الصاخبة في الشوارع. وقد تم اختيارها بوصفها واحدة من أفضل 25 موقع تراث عالمي. ومنذ ستينيات القرن الماضي، بدأ المؤرخ إوسيبيو ليال في تحويل هذا الحي إلى واحد من أروع مشاريع الترميم في الأمريكتين وليس فقط من أجل السائحين. أفضل طريقة لاستكشاف هذا الحي التاريخي هي من خلال جولة مشي مجانية تنطلق يومياً من ساحة Plazuela de Santo Ángel.
استرخي على جدار ماليكون
إذا كنتِ ترغبين في رؤية هافانا بكل سحرها؛ فامشي على طول كورنيش ماليكون المطل على البحر بطول 7 كيلومترات ويمتد من مدخل الميناء إلى مصب نهر ألمنداريس. يحيط بكِ من جهة موج البحر المتلاطم ومن الجهة الأخرى مبانٍ قديمة ذات طابع جميل ويُعَدُّ ماليكون المكان الذي يتجه إليه الجميع في المساء، للتأمل والحديث وتبادل الأحاديث وتفريغ همومهم. هناك صيادون يقفون على الجدار البحري وعازفون يتدربون بصوت مرتفع وعشاق يتبادلون اللحظات في الظل ولمحة غروب الشمس تعطي شعوراً بأن كل الهموم تتلاشى للحظات.
شاهدي فن الشارع في فوستيرلانديا
تُعَدُّ فوستيرلانديا ذروة الفن المفتوح في هافانا ومشروعاً مجتمعياً فريداً من نوعه، وقد كانت حلم الفنان الكوبي خوسيه فوستر الذي نما على مدار أكثر من عشرين عاماً ليصبح حياً فنياً. في التسعينيات، بدأ فوستر في تزيين جدران ومنازل حيه خايمانيتاس بمزيج من الجداريات والفسيفساء السريالية، مستوحاة من أعمال غاودي وبيكاسو. أضاف إليها لمسات كوبية مميزة وزين المنطقة بمنحوتات فنية تجريبية، حتى توسع المشروع ليشمل أكثر من 80 مبنًى. والنتيجة اليوم هي مشهد فني مليء بالألوان والإبداع، حول حي الصيادين هذا إلى واحد من أبرز المعالم في هافانا.
استمتعي بالطاقة في شوارع هافانا

هافانا تنبض بطاقة لا تُقاوَم. في أثناء تجوالكِ في شوارعها، ستشعرين بهذه الأجواء النابضة بالحياة: ستتجاوزين مباريات كرة قدم تُلعب في الأزقة وتتجنبين عربات بيسي-تاكسي وتنظرين داخل مبانٍ عتيقة بفتحاتها الواسعة وتستمعين إلى أحاديث السكان بصوت مرتفع. ستجدين كثيراً من الحركة والحيوية على كورنيش ماليكون أو في منطقة سنترو هافانا غرب شارع برادو. وكما يعرف السكان المحليون، فإن لشارع هافانا القديمة روحاً نابضة أيضاً، خاصة إذا ابتعدتِ قليلاً عن شارع أوبيسبو السياحي الرئيسي وجُلْتِ في الأزقة الجانبية.
زوري فابريكا دي آرتي كوبانو
فابريكا دي آرتي كوبانو هو مركز فني نابض بالحياة يقع في مصنع قديم لزيت الطهي في حي فيدادو الشرقي وهو مثال حي على روح هافانا الفنية العصرية ومكان يلتقي فيه الفنانون بالجمهور وتُخلق فيه محادثات غنية ومتنوعة. في أمسية عادية، يمكنكِ التجوال بين قاعات ضخمة تشهد معارض فنية وعروض دي جي وأداءات غنائية جماعية، دروس تانغو، حفلات موسيقا كلاسيكية وعروض صالصا كل ذلك تحت سقف واحد.
اكتشفي حي ريغلا بعيداً عن الزحام

لفهم هافانا بشكل أعمق، خاصة ثقافتها الأفروكوبية، قومي برحلة قصيرة بالعبارة إلى حي ريغلا، حيث لا تُقدَّم تقاليد هافانا بطريقة سياحية أو متصنعة، بل تظهر على طبيعتها الأصلية والبسيطة. جُولي في شوارعه وستجدين نفسكِ بسرعة وسط مشهد يعكس الحياة اليومية.
شاهدي إطلاق المدفع
في تقليد يعود إلى أوائل القرن الثامن عشر، يُقام يومياً عرض إطلاق المدفع الساعة التاسعة مساءً من على أسوار قلعة لا كابانيا، في طقس احتفالي يربط الحاضر بتاريخ المدينة. كان هذا الطقس يُمارس عندما كانت هافانا مدينة محاطة بالأسوار من سبعينيات القرن السابع عشر حتى ستينيات القرن التاسع عشر، حيث كان صوت المدفع يُعلن عن إغلاق بوابات المدينة ليلاً. وعلى الرغم من إزالة الأسوار في منتصف القرن التاسع عشر، استمر هذا التقليد حتى يومنا هذا وأصبح عرضاً مسائياً شهيراً يتضمن مشاعل نارية وجنوداً يرتدون أزياء عسكرية قديمة، ويُعتبر من الأنشطة التي تستحق المشاهدة خلال زيارة مسائية للقلعة.
استرخي على شواطئ بلاياس ديل إيستي

معظم الزائرين إلى كوبا يحجزون عطلات شاطئية لمدة أسبوع أو اثنين في منتجعات شاملة مثل فاراديرو أو كايو كوكو، من دون أن يغادروها، لكن إذا كنتِ من صاحبات الذوق الثقافي؛ يمكنكِ قضاء معظم إقامتكِ في هافانا، ثم التوجه إلى أحد شواطئ المدينة القريبة والجذابة المعروفة جماعياً باسم بلاياس ديل إيستي للاستراحة بعد زيارة المعارض والمتاحف. إذا كنتِ تبحثين عن كراسي استلقاء وأنشطة مائية؛ توجهي مباشرة إلى شاطئ Playa Santa María del Mar النابض بالحياة. لمحبي ركوب الأمواج بالطائرات الورقية توجهي إلى شاطئ Tarará ذي الرياح القوية. أما إذا كنتِ من هواة الغوص السطحي؛ فستعجبكِ الشعاب المرجانية الهادئة وحطام السفن في Playa Bacuranao.