أظهرت الإحصاءات أن أكثر من 60٪ من المراهقين يتلقَّون محتوًى يومياً على وسائل التواصل، يؤثّر بشكل مباشر على سلوكهم اليومي. وهذا ليس بغريب، نحن في عالم التكنولوجيا الرقمية الحديثة، ولم تعُد تربية الأطفال حِكراً على الأهل فقط؛ فمن دون أن نشعر، أصبحت تطبيقات مثل: "تيك توك" و"إنستغرام" وغيرها، بجانب أصدقاء الأبناء، شركاءَ في صياغة القِيم، وبناء السلوكيات، وتشكيل الهوية لأطفالنا.
فبينما تسعى الأمهات لبذل الجُهد في تقديم الأفضل لأطفالهن، يتسلل محتوى الإنترنت وآراء الأصدقاء ومؤثرون مجهولون إلى عقول الأبناء؛ ليقدّموا وجهات نظر وسلوكيات وتعليمات، أحياناً تسبق أيّ حديث منزلي، أو تحِل محل أيّ توجيه تربوي؛ مما يطرح سؤالاً يدور في عقول الآباء المربين: هل مازالت للأهل الكلمة الأولى في التوجيه؟ وهل يشاركنا أصدقاءُ الابن والسوشيال ميديا التربية؟ وما الحل لتحقيق التوازن؟ يجيب الدكتور يوسف شاكر، أستاذ التربية وطب نفس الطفل؛ موضحاً المشكلة بنقاط محددة، مع وضع طُرق للتعامل والعلاج.
أولى الخطوات: تأييد التربية المشتركة من دون استبعاد!

نعم، ولأننا في زمن الشاشات والضغوط الاجتماعية، لا يكفي أن نحب أبناءنا لنُحسِن تربيتهم؛ بل علينا أن ندرك تماماً أن هناك مَن يشاركنا تلك المهمة، سواء أكان صديقاً مقرّباً أو تطبيقاً رقمياً.
ضرورة الاعتراف بأنه من الصعب عزل الأطفال عن عالمهم، ومنع كلّ تأثير خارجي. لكن يمكننا أن نكون مرجعهم الأول، وأن نحصّن أبناءنا من الداخل، بالثقة، والعقل، والوعي.
التربية اليوم هي شراكة متعددة الأطراف. وذكاء الأهل يتركّز في أن يكونوا الطرف الأقرب والأكثر حضوراً، لا الغائب. ويتم ذلك بالعلم والسؤال والمعرفة بعامة.
مخاطر ومحاسن الأجهزة الذكية على الأطفال والمراهقين: هل تودين التعرُّف إليها؟
الخطوة الثانية: الاعتراف بالأصدقاء كمدرسة موازية للتنشئة

عادةً ما يبدأ تأثير الأصدقاء منذ السنوات الأولى للمدرسة، لكنه يصبح أكثر وضوحاً وخطورة مع الاقتراب من سن المراهقة. في هذه المرحلة الحساسة، يبدأ الطفل بالخروج من العباءة الأبوية، والبحث عن الانتماء والموافقة من أقرانه.
نجد أصدقاء الابن لا يمنحونه فقط الصحبة والوقت المرح الضاحك؛ بل يرسّخون بداخله مفاهيم عميقة، غالبيتها مقبولة ورائعة من وجهة نظرهم، ومعها يعرِضون بلطف وجاذبية، الذي يجب أن يُسخَر منه.
تصطدم تربية الأهل في الكثير من البيوت، بما يتعلمه الطفل في دائرة أصدقائه. يُربّى الابن على الصدق؛ فيصادف زميلاً يفاخر بكذبه الأبيض. يُربّى على الاحترام؛ فيجد نفسه مادةً للسخرية، أو يُقال له: كن قاسياً وإلا سيؤذونك.
هذه المدرسة الموازية قد تكون نِعمة إذا كانت المجموعة سويّة، ولكنها تصبح خطراً إنْ ضمت رفاقاً يحملون قِيماً مشوّشة أو سلوكيات منحرفة، مقصودةً كانت، أو تُعرض بشكلٍ غير مقصود.
الخطوة الثالثة: إدراك خطورة السوشيال ميديا في عصرنا

- إذا كان تأثير الأصدقاء واضحاً ومحدوداً بالزمان والمكان؛ فإن وسائل التواصل الاجتماعي- المربي الأكبر- تتفوّق عليهم بتأثيرها العابر للحدود، الدائم والمتجدد، والمرافق للابن في منزله وداخل غرفة نومه.
- الطفل أصبح يقضي ساعات طويلة يومياً على منصات التواصل، يتلقى من خلالها معلومات، قِيماً، صوراً نمطية، وأحياناً تعليمات مباشرة لكيفية التصرُّف، طريقة اللباس، التفكير، وحتى الحب والكراهية.
- أحد الإحصاءات الحديثة أظهر أن أكثر من 60٪ من المراهقين يتلقَّون محتوًى يومياً على وسائل التواصل، يؤثّر بشكل مباشر على سلوكهم اليومي.
- هذا المحتوى لا يخضع لأيّة رقابة، وغالباً ما يكون سطحياً أو مبنياً على التحديات والانتشار، لا على المنطق أو القيم. و الأخطر، أن 8 من كل 10 فتيات، اعترفن بأنهن يشعرن بالضغط النفسي الناتج عن المقارنات المتكررة.
- تقدّم السوشيال ميديا نماذج قدوة جديدة، بعضها سطحي، وبعضها مزيّف، لكنها مُغرية؛ فتتحول من مجرد وسيلة ترفيه، إلى أداة تربوية، تشكّل وتوجّه وتعيد تعريف الكثير من القِيم المعتادة.
الخطوة الرابعة: استعدي للمواجهة التربوية بين السُلطة والمسؤولية
مع تعاظُم هذه التأثيرات، يجد الأهل أنفسهم في مواجهة تربوية صعبة، كثيرٌ من الأمهات يشعرن بأن ما يبذلنه من وقت وجُهد في التربية، يضيع في لحظات، على يد مؤثّر مراهق يقدّم نصائح حياتية، عبْر فيديو قصير مليء بالموسيقى والتأثيرات البصرية.
ويزداد الأمر تعقيداً مع ضعف الوعي الرقمي لدى بعض الأهل؛ حيث لا يعرفون كيف يراقبون أو يوجّهون استخدام الأبناء للتكنولوجيا من دون خلق فجوة أو شقاق وعداء. والمسؤولية التربوية لا تعني التشدد والرقابة فقط؛ بل تتطلب ذكاءً عاطفياً، وقدرة على التحاوُر، وفهماً عميقاً لما يعيشه الطفل.
6 خطوات عملية للتوازن وتجنُّب التأثيرات السلبية
بناء الثقة مع الطفل:
الثقة هي الحصن الأول، عندما يشعر الطفل بأن والديه يستمعان له، ويحتويانه، ويَقبلان مشاعره من دون إطلاق أحكام، سيكون أكثر استعداداً للعودة إليهم حين يحتار، ويطلب رأيهم فيما يسمع أو يرى.
تعزيز التفكير النقدي:
بدلاً عن مراقبة كلّ ما يشاهده الابن، من الأجدى تعليمه كيف يُحلل ما يتلقاه: هل هذا منطقي؟ هل يتوافق مع ما تعلّمه من قِيم؟ هل من الممكن أن يكون المقطع مفبركاً أو مضلِّلاً؟
معرفة الأصدقاء والتقرُّب منهم:
الاحتكاك المباشر بأصدقاء الطفل، يساعد الأهل على فهم البيئة التي تؤثر فيه، كما أن العلاقات العائلية المفتوحة التي ترحب بالأصدقاء، تتيح للوالدين أن يكونوا جزءاً من المعادلة، لا طرفاً غائباً.
المراقبة الذكية لا التجسس:
الرقابة يجب أن تكون قائمةً على الحوار، وبتقنيات تكنولوجية مقننة، لا على التجسس أو الحظر التام. لا بأس من استخدام أدوات مراقبة زمن الشاشة، ومعرفة التطبيقات المستخدَمة، بشرط ألّا يشعر الطفل بأنه مراقَب.
تقديم نماذج بديلة وملهمة:
بدلاً عن نقد مؤثري السوشيال ميديا بشكل مباشر، يمكن للأهل تقديم بدائل واقعية، من خلال تعريف الأبناء على شخصيات ناجحة، بسيطة، قريبة منهم، تقدّم محتوًى قَيّماً وراقياً.
التحديث المستمر للمعرفة الأبوية:
التربية لم تعُد تعتمد على الغريزة فقط؛ بل على التعلُّم المستمر، هناك دورات، وكتب، ومنصات، تقدّم أدوات حديثة لفهم المراهقة، والتربية الإيجابية، والتواصل العاطفي.
* ملاحظة من «سيدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليكِ استشارة طبيب متخصص.