مرت عشر سنوات على رحيل الفنان نور الشريف، الذي ترك بصمة لا تُنسى في عالم الفن المصري والعربي. ويُعتبر الشريف أحد أبرز الفنانين في تاريخ السينما والتلفزيون المصري، حيث قدّم خلال مسيرته الفنية العديد من الأعمال التي أصبحت علامات فارقة في تاريخ الفن.
تميز نور الشريف بأدائه العميق والمؤثر، واستطاع أن يخلق شخصيات خالدة في ذاكرة المشاهدين. فقد جسّد أدوارًا لامست القلوب في أفلام خالدة مثل: أبناء الصمت، الكرنك، أهل القمة، دائرة الانتقام، حبيبي دائمًا، العاشقان، العار، سواق الأوتوبيس، جري الوحوش، ووضع العمر يا ولدي. كما تألق في مسلسلات تلفزيونية شهيرة منها: الحرافيش، لن أعيش في جلباب أبي، هارون الرشيد، عمر بن عبد العزيز، ولسه بحلم بيوم. بهذه الأعمال، أثبت الشريف نفسه كفنان شامل ومتعدد المواهب.
وفي هذا الحوار الخاص لموقع "سيدتي"، تتحدث سارة نور الشريف عن ذكرياتها مع والدها الفنان العظيم، وتكشف لنا ملامح من حياته الفنية والشخصية، كما تتناول تأثيره عليها وعلى الجمهور، لتظل سيرته حاضرة بعد عشر سنوات من رحيله.
طفولة صعبة واكتشاف مبكر لليتم

في عمر الخامسة، كان ذلك الصبي الصغير يعيش مع عمه، دون أن يعرف أن والده قد رحل. كان يظن أن عمه هو والده، حتى جاء اليوم الأول في المدرسة، حين نادى المعلم: "محمد جابر محمد"، فلم يرد. اقترب المعلم وقال له: "أنت محمد جابر محمد"، فرد الطفل: "أنا نور إسماعيل". عندها قال له المعلم: "من اليوم أنت محمد جابر". كانت تلك اللحظة الأولى التي شعر فيها نور الشريف بإحساس اليتم.
ذهب الطفل إلى عمته، التي أخبرته بالحقيقة: والده رحل وهو لا يزال رضيعًا لم يتجاوز تسعة أشهر، ومن يربيه هو عمه إسماعيل. تقول سارة: "في نظر أبي، كانت تلك تجربة إنسانية فريدة، أن يعيش أول سنواته معتقدًا أن من يربيه هو والده، ثم يفاجأ في أول يوم دراسة بأنه يتيم، وأن الاسم الذي اعتاد عليه في المنزل مجرد اسم دلع".
عم إسماعيل وعمة نور الشريف كانا، في نظره، أسطورتين. عمته كانت بمثابة الأم بعد أن تزوجت والدته، وحنانهما الكبير جعله لا يشعر باليتم رغم فقد والده بيولوجيًا.
مذكرات وكراسات صغيرة تلهم الشخصيات
كان نور الشريف عاشقًا للتفاصيل، يراقب الحياة من حوله ويدون مشاهداته في مذكراته اليومية وكراسات صغيرة. تقول سارة: "كان يكتب كل ما يراه ويسمعه، حتى جملة حوار يلتقطها من الشارع. إذا شاهد منظر مثير، يعود لرسمه في كراسته. شخصيته في فيلم العار استلهم حركاتها ولزماتها من شخص قابله، وحتى عبد الغفور البرعي في لن أعيش في جلباب أبي استوحى طريقته من تاجر خردة شاهده في الحياة".
احب التمثيل رغم معارضة العائلة
قبل دخوله معهد التمثيل، كان حلم نور الشريف أن يصبح ممثلًا، لكن عمه وعمته رفضا الفكرة. تحكي سارة: "كان يقول لهم إنه يدرس التجارة، حتى اكتشفوا الحقيقة فحرموا عليه المصروف. لكنه كان متفوقًا ويحصل على مكافأة دراسية أعانته على العيش. كان يذهب من السيدة زينب إلى الهرم مشيًا لحضور معهد التمثيل حتى انتهى العقاب".
كان المسرح القومي عشقه الأول، وكان يجلس فيه قبل أن يصبح ممثلًا، مبهورًا بعروض ممثله المفضل الفنان الكبير عبد الله غيث، كما كان يحب محمود مرسي ومحمود المليجي ويعتبرهم أساتذة له.
صداقات فنية
من أصدقائه المقربين النجم رشدي أباظة، الذي كانت تربطه به علاقة صداقة وطيدة. تقول سارة: "أتذكره عندما كان يقابلنا أنا وأمي وأبي، كان يداعبني ويضحك معي. كان فنانًا راقيًا وجنتل مان بحق".
عادات يوم الجمعة وزيارات السيدة زينب
تقول سارة: "كان أبي يستيقظ مبكرًا يوم الجمعة، ويذهب بسيارته لزيارة السيدة زينب وعم إسماعيل ليتناول معه الغداء. وبعد رحيل عم إسماعيل، ظل يزور أقاربه وأصدقاءه هناك. كنت دائمًا أؤجل طلب الذهاب معه لبيت السيدة زينب لأنني كنت اشعر بأنه لن يرحل ،حتى رحل مبكرًا في سن 68 عامًا. بعد وفاته ذهبت بنفسي وسألت عن العنوان، وقفت أمام البيت وتخيلته ينظر من الشباك، وتخيلت يوم زفافه وأيام طفولته. حزنت كثيرًا عندما هدم البيت قبل شهرين".
إليك فاتن حمامة الحاضرة الغائبة في وجدان ابنتها نادية ذو الفقار.. وحكايات لا تنتهي
الغائب الحاضر

رغم مرور عقد على رحيله، تقول سارة: "أبي دائمًا معنا، صوره وذكرياته حاضرة. فيلته في الشيخ زايد كما هي، نجتمع فيها في رمضان ومع الأصدقاء، وكأن روحه لا تزال تملأ المكان. فبيت نور الشريف دائما مفتوح بعد رحيله كما كان في حياته."
نور الشريف المنتج الفنان
مع والدتها بوسي، أسس شركة "إن بي" للأفلام و تضيف سارة: "كان حريصًا على اختيار موضوعات مختلفة وجريئة. من أبرز إنتاجاته: ضربة شمس الذي تناول قضية الفساد بأسلوب سبق عصره، وقطة على نار، ودائرة الانتقام، وهي أفلام يعتز بها كثيرًا."
عاطف الطيب.. نجيب محفوظ الإخراج
تقول سارة: قدّم ابي مع المخرج الراحل عاطف الطيب تسعة أفلام، وكان مؤمنًا بموهبته، ويعتبره من أهم مخرجي الواقعية، ويسميه "نجيب محفوظ الإخراج". حصل أبي على جوائز من مهرجانات دولية كممثل في فيلمي سواق الأوتوبيس وليلة ساخنة من إخراج الطيب، وحزن عليه كثيرًا بعد رحيله.
مصروفي من أبي كنت أشتري به كتبًا
تتذكر سارة أن والدها الفنان نور الشريف كان يحبّبها في القراءة، فتقول: "أتذكر ان أبي كان يعطيني المصروف، وكان يشجعني كل أسبوع على أن أشتري كتبًا جديدة، وكنت آخذ المصروف وأذهب إلى مكتبة مدبولي في المهندسين، وأشتري كتبًا وأقرأ لإحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ. وقد تعلّمت طريقة أبي في القراءة، فكان دائمًا عندما يقرأ أي كتاب جديد يكون في يده قلم رصاص. هذا القلم كان له طريقة معيّنة، فعندما يقرأ أي سطر يكتب بجواره جملة حوار أو يكتب مشهدًا جميلاً أو وصف شخصية. هكذا أفعل أنا، ولكنني لا أكتب ما كان يكتبه أبي لأنني أقرأ لمجرد القراءة، ولا أستخدم القراءة في عمل، لكنه كان يستخدم قراءاته وتعليقاته في أعمال وشخصيات قدّمها. فكانت هذه الكتب والكراسات التي يكتب فيها مذكراته اليومية بمثابة مراجع له في شخصيات كثيرة قدّمها على شاشة السينما أو شاشة التلفزيون".
طريقته في التربية
"كان أبي ليس لديه الوقت ليذاكر لنا، لكنه كان دائمًا عندما يعود من عمله يجلس معنا ويتحدث في أمور عامة، ويطمئن علينا وعلى أحوالنا الدراسية والشخصية. وأحيانًا نستشيره في أي مشكلة تتطلب حلًا، فيهتم بأن يسمعنا ويعيش معنا تفاصيلنا بالرغم من انشغاله. أنا مثلًا درست مسرح في الجامعة الأمريكية، وكان حريصًا على أن يجلس معي ومع أصدقائي ويناقشنا في الدراسة الأكاديمية. وأحيانًا يتناقش معه أصدقائي في الحياة ويأخذون رأيه كصديق في بعض المشاكل التي تواجههم. كان مبدؤه أن أربي أبنائي لكي يعيشوا الحياة حتى يكون لديهم داخليًا ميزان الصح والخطأ، وعليك أن تختار بالعودة إلى ما تعلمته. فكنا عندما نأخذ رأيه في موضوع يقول لي: أنتِ شايفة إيه؟ اختاري. فكانت وجهة نظره أن التجربة هي خير معلم".
إليك عزت أبوعوف الأخ الفنان والظل الذي لا يغيب: حكايات من قلب عائلته
كواليس تحضيره لأعماله

"كان أبي عندما يُعرض عليه عمل يقرأه جيدًا ويقوم بالتحضير للشخصية. لو كان العمل مرتبطًا بمراجع تاريخية أو بأي قضية يجب أن يقرأ عنها جيدًا، وإلى جانب أنه كان مؤمنًا بأن التمثيل هو الموهبة والدراسة معًا، كان يتعمق في قراءة الشخصية وفي تركيبتها النفسية ويدرسها جيدًا من ناحية الشكل والملابس والحركة والتصرفات وطريقة الكلام واللزمات. وكان يقوم بالتحضير في غرفة مكتبه في منزلنا، ويذهب إلى اللوكيشن على أتم الاستعداد لتقمص الدور داخل اللوكيشن، أي أنه يكون هناك وقد درس الشخصية جيدًا وذاكر تمامًا".
تتذكر سارة: "كنت أتواجد معه في الاستوديو أثناء تصوير فيلم "أيام الغضب"، في مشهد المصحة. كنت في ذلك الوقت صغيرة ولا أفهم معنى تقمص الشخصية بالنسبة للفنان، وكان يستعد لأداء المشهد وهو جالس يحضر نفسه ويدخل في الحالة النفسية والشعورية للشخصية. كنت أذهب إليه وأنا غير مدركة لذلك، وخائفة عليه من تعبيرات وجهه قبل أداء المشهد. كنت دائمًا أطمئن عليه وأقول له: بابي، أنت كويس؟ فيقول لي: أنا تمام حبيبتي. وأعاود مرة أخرى وأسأله: أنت كويس؟ فكان يطمئنني ولا يغضب مني، لكنه كان ينفصل عن الشخصية التي يؤديها عندما ينتهي من التصوير ويعود للمنزل. فأبي لديه مخزون من قراءاته وما عاشه في الحياة ويستوعبه جيدًا، ويستدعيه في كل شخصية يؤديها".
رأيه في عوامل نجاح أي مخرج
"كان دائمًا يقول لي إن عوامل نجاح أي مخرج عندما يقدم موضوعات تشبه حياته في الواقع، أي أن يقدم عملًا عن الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها".
علاقة صداقة قوية جمعته بميرفت أمين
"ميرفت أمين من أجمل الشخصيات وأكثر الأصدقاء قربًا لأبي، هي والفنانة إلهام شاهين. فقد عملا معًا كثيرًا في السبعينات والثمانينات، وكانت بينهما كيمياء خاصة جدًا، وكان الجمهور يحبهما معًا. كانت تعتبر أبي أخًا وصديقًا مقربًا جدًا. إلى جانب أن ميرفت أمين شخصية أسميها "ست الستات"، وجودها في الحياة لكي تطمئن من تحبه ولا تضايق أحد، ودائمًا داعمة لكل من تحبهم ومؤثرة تأثيرًا كبيرًا في حياتهم. فقد عملت معه كثيرًا، وأتذكر أنها شاركته آخر أفلامه "فيلم فرق توقيت".
فيلم "فرق توقيت" منحة أعطاها الله لأبي في آخر حياته
"أبي كان طوال حياته يعيش للفن، فقد أعطاه الله في آخر أيامه وهو مريض منحة أن يجسد دوره في فيلم "فرق توقيت"، لأنه كان لا يستطيع أن يبتعد عن التمثيل حتى وهو مريض. فكانت فرصة منحها الله له ليعمل ما يحب حتى آخر يوم في عمره، فقد أعطاه الله القوة بأن يقف ويمثل ويقدم أجمل أعماله على الإطلاق ليختتم تاريخه الفني بهذا الفيلم. هذا الفيلم شاهدته مرة واحدة ولا أستطيع أن أراه مرة أخرى. ففي آخر عامين في حياة أبي كان يقرأ سيناريوهات عديدة ويشتغل على النص، ولكن المرض كان يمنعه".
كان لا يغار من أحمد زكي وعادل إمام
"كان لا يغار من عادل إمام وأحمد زكي، لأنه كان يقول إن كل منهما متميز في أدوار معينة. فكان يقول إنه مثلًا لا يستطيع أن يقوم بالأدوار الكوميدية التي يقدمها عادل إمام، إلى جانب أنه كان يقول إنه يجيد تجسيد الأدوار التاريخية باللغة العربية وآخرون لا يعرفون أن يقدموها، وكان متميزًا في التمثيل باللغة العربية، وهو جانب آخر لا يستطيع كثيرون منافسته فيه. كان حريصًا على أن يهنئ عادل إمام بأدوار قدّمها مثل فيلم "حب في الزنزانة"، وكان يفرح لعادل إمام وأحمد زكي بنجاحهم الكبير في بعض الأدوار. فأبي كانت طبيعة شخصيته أنه لا يغير ولا يحب المنافسة مع أحد، وكان يحب النجاح لزملائه ويهنئهم على أعمالهم".
تعرفي على يوسف شعبان... في حضرة فنان نادر وزوج وفيّ
جدتي لوالدتي كانت بمثابة الأم الثانية لوالدي نور الشريف

"كان أبي يعتبر جدتي الأم الثانية له، فهو لم يعش مع والدته فترات طويلة. كانت جدتي تعيش معنا في المنزل كعائلة واحدة، وكانت تعتبر أبي مثل خالي وكأنه ابنها. كانت تهتم بأن تحضر له العشاء بعد عودته من العمل، وتطمئن عليه دائمًا. وكانت تطهو لنا جميعًا الأكلات التي نحبها، وخاصة الأكلات التي يحبها أبي على وجه الخصوص".
عمله مع خالتي نورا
"عمل أبي مع خالتي نورا في عدد كبير من الأفلام، شكّلا معًا ثنائيًا فنيًا ناجحًا، ومن أهم أعمالهما: "ضربة شمس"، "العار"، و"صراع الأحفاد"ومسلسل "أديب". كان أبي يعتبر خالتي هي الأخت الصغرى له، لأنه عندما تعرف على أمي كانت خالتي في عمر 13 عامًا فقط. كانت تتقبل منه كل النصائح، وكذلك هو منها، حتى لو كانت تعديلات على طريقة أداء أي شخصية.
فأبي مثلًا أثناء التحضير لعمل مع خالتي نورا كان يقول لها: "قولي الجملة دي بالطريقة دي"، وكانت تتقبل ذلك بصدر رحب، في حين أن أي فنانة أخرى كان من الممكن أن تغضب. والعكس صحيح، فقد كانت تنصحه أحيانًا بطريقة أداء جملة أو مشهد، ويقبل منها. كانا يعتبران نفسيهما أخوين.
إلى جانب ذلك، كنا نعيش جميعًا كعائلة واحدة في بيت واحد، وكانت خالتي في الشقة المجاورة لنا".
سر استمرار حب وزواج نور الشريف وبوسي حتى الرحيل
"أعتقد أن السر كان في التفاهم والرحمة في التعامل، والود، والحب، والصداقة، والاحترام في الخلاف. فقد نصحني والدي يوم زواجي وقال لي: "ليس الحب أن تأخذي فقط، ولا تعتمدي على أن من يحبك سيظل يعطي فقط، بل يجب أن تعطيه أنتِ أيضًا. هي علاقة تبادلية".
حتى عندما تم الانفصال بينهما لسنوات، لم يؤثر ذلك على علاقتهما كعائلة. ظلت خالتي أخت لأبي، وجدتي هي والدته، ونحن أولاده، وكان يفطر معنا يوميًا في رمضان.
ظلت الحياة كما هي، والاختلاف الوحيد أن كلًّا منهما كان يقيم في منزل مختلف. كنت أعيش مع والدي في فيلته بالشيخ زايد، ثم بعد مدة قصيرة عاشت أمي مع أختي مي في فيلتها بالشيخ زايد، وأقامت بجوارنا خالتي نورا مع جدتي في فيلتها أيضًا في الشيخ زايد. كنا نخرج جميعًا ونقضي وقتنا معًا كعائلة، لكنهما اختلفا وفضّلا الطلاق، ثم عادا مرة أخرى كزوجين حتى رحيل أبي".
بعد 10 سنوات من الرحيل.. ماذا تقول سارة نور الشريف لوالدها؟
"وحشتنا يا بابا، ونفسي أراك في المنام كما تأتي لآخرين. أصعب 10 سنوات في حياتي، فأنا حتى الآن لا أستوعب أنك لست موجود معنا، لكنك موجود بروحك. لا تخف علينا، فنحن نحاول أن نكون أقوياء بك في داخلنا.
كأي أب، كنتَ دائمًا خائفًا علينا كبناتك. تركت زوجتك وبناتك وأخت زوجتك، فاطمئن علينا يا بابا.
عمره ما قال "آه" من الوجع في أواخر أيامه. أتذكر أن الطبيبة المعالجة، الدكتورة رباب — رحمها الله — وكانت طبيبة عظيمة وإنسانة راقية، وكان أبي يحبها كثيرًا، أخبرتني أنها رأته في المنام بعد وفاته وسألته: "عارف تأخذ نفسك يا أستاذ نور الآن بدون وجع؟"، فقال لها: "نعم الحمد لله".
كانت هذه أول مرة بعد وفاته نعرف أن أبي كان يشعر بألم مع كل نفس يتنفسه، ولم يخبرنا بذلك أبدًا.
أشهدك يا رب أن أبي كان راضيًا بقضائك، وكان يحمدك ويشكرك، ولم يقل يومًا: "ليه يا رب"، بل كان يقول في كل لحظة: "يا رب"، ولم يعترض. يا رب، أعطه على قدر صبره على الوجع، بدون أن يقول "آه"."
كان حب ابي كبير في قلوب اصدقائه الفنانين. و رأيت هذا الحب في عيونهم في جنازة أبي مشهد لن انساه وخاصة الحزن على وجوه عادل إمام ومحمود ياسين ومحمود عبد العزيز وسمير صبري.
نور الشريف لم يكن مجرد فنان، بل كان مدرسة متكاملة في الالتزام والحرفية، وأيقونة للفن العربي الراقي الذي يحترم عقل المشاهد ويثري وجدانه. جمع بين الموهبة الفطرية والثقافة الواسعة، فصنع أدوارًا لا تنسى، وأعمالًا ستبقى علامات مضيئة في تاريخ السينما والدراما.
على المستوى الإنساني، كان صديقًا مخلصًا، وأبًا حنونًا، وداعمًا لكل موهبة حقيقية، يفرح لنجاح زملائه كما يفرح لنجاحه، ويؤمن أن الفن رسالة قبل أن يكون مهنة. في بيته، كان الأب الذي يزرع القيم والمبادئ، ويمنح من حوله طمأنينة وحبًا بلا حدود.
وبعد عشر سنوات على رحيله، يبقى نور الشريف حاضرًا في الذاكرة والوجدان، رمزًا للفنان المثقف الملتزم، والإنسان الذي عاش ومات وفي قلبه حب كبير للحياة وللآخرين. إرثه الفني والإنساني باقٍ، يلهم أجيالًا قادمة، ويؤكد أن بعض النجوم لا يأفل بريقهم أبدًا.
