mena-gmtdmp

التفكير الزائد يسرق لحظات الصفاء ويؤثر سلباً في رفاهية المرء

امرأة تستغرق في التفكير
امرأة في السرير غارقة في التفكير

عندما تدورُ في بالِ المرءِ الأفكارُ عينها، وبصورةٍ متكرِّرةٍ إلى حدٍّ، يجعله يتقاعسُ عن أداءِ عمله، ويفوِّتُ أي لحظةِ سعادةٍ، ويغرقُ في الخوفِ، والندمِ، حينها يتحوَّلُ التفكيرُ من نعمةٍ إلى نقمةٍ. ففي الحياةِ هناك محطَّاتٌ مصيريَّةٌ قد يأخذُ المرءُ وقتاً طويلاً في التفكيرِ بكلٍّ منها حتى الوصولِ إلى قرارٍ ما في شأنها، كما عند الإقبالِ على الارتباطِ، أو الاختيارِ بين وظيفتَين، أو أي مسألةٍ أخرى ذات تأثيرٍ كبيرٍ في مستقبله، وهذا بالتأكيد أمرٌ طبيعي. وفي بعض المواقفِ، يمكن أن يؤدي التفكيرُ الزائدُ إلى تحليلٍ عميقٍ، ما يساعدُ الشخصَ في النظرِ بجميع النتائجِ المحتملة، واتِّخاذِ قراراتٍ مستنيرةٍ، وهذا أمرٌ إيجابي. في المقابل، عند ترك التفكيرِ دون رادعٍ، يمكن أن يؤثِّر ذلك سلباً في رفاهيَّةِ المرء، ويؤدي إلى معاناته من التوتُّرِ والقلق، وفي مرحلةٍ متقدِّمةٍ إلى تراجعِ إنتاجيته، وتفويته الفرص! حينها يستدعي التفكيرُ الزائدُ التوقُّفَ عنده، والتصديقَ بأن «كثرةَ التفكيرِ مرضٌ»، والقولُ هنا للروائي الروسي العالمي فيودور دوستويفسكي.

إعداد: نسرين حمود

الاجترار

تُعرِّفُ جاين نصر، اختصاصيَّةُ العلاجِ النفسي من لبنان، التفكيرَ الزائدَ بأنه «تأمُّلُ الفردِ الفكرةَ نفسها، أو الموقفَ ذاته الذي سبق أن قام به مراراً وتكراراً. مثلاً، بعد مغادرةِ جلسةٍ معيَّنةٍ، شارك بها، قد يقضي المرءُ وقتاً طويلاً في التفكيرِ بكلامٍ قاله، ويُؤنِّب نفسه كثيراً عليه، ويتوقَّعُ ردودَ فعلِ الآخرين السلبيَّةَ تجاهه، بل ويتخيَّلُ أسوأ السيناريوهات»! وتضيفُ: «التفكيرُ الزائدُ، أيضاً، تصرُّفٌ عقلي، وهو عبارةٌ عن شغلِ البالِ بأفكارٍ عن المستقبل». ونتيجةً للتفكيرِ الزائدِ في الماضي، أو المستقبل، ترى نصر، أن النومَ قد يُجافي المرء، أو قد يمنعه الاستغراقُ في أفكاره من أداءِ نشاطاته اليوميَّة، أو يدفعه إلى التقصيرِ فيها، أو يُؤثِّر سلباً في رفاهيَّته. وهي تصفه، بناءً على ما تقدَّم، بـ «الاجترار»، لافتةً إلى أن «التفكيرَ الزائدَ قد ينحصرُ في تأمُّلِ الأحداثِ الماضيةِ فقط، خاصَّةً السلبيَّةَ، أو المؤلمة! هذا مع الوقوعِ في دوامةٍ من الندمِ، والشعورِ بالذنب، وفرضِ سيناريوهاتٍ من بابِ: كان من الممكنِ أن أفعلَ كذا، وكان ينبغي لي أن أفعلَ كذا. وعند أشخاصٍ آخرين، ترى أنهم يُنفِقون طاقةً مفرطةً في التفكيرِ دائماً بالمقبل»!

قد يهمك الاطلاع على الموضوع في نسخة سيدتي الديجيتال عبر الرابط

حالة قائمة بذاتها أم نتيجة؟

قد يكون التفكيرُ الزائدُ، حسبَ شروحِ الاختصاصيَّة، حالةً قائمةً بذاتها، أو نتيجةً للإصابةِ بالقلق، علماً أن للقلقِ أنواعاً كثيرةً، إذ قد يرجعُ التفكيرُ الزائدُ إلى شخصٍ، يشكو من اضطرابِ القلقِ العام، أي أنه يقلقُ من أي أمرٍ عليه القيامُ به حتى لو كان عليه الذهابُ إلى المتجرِ لشراءِ غرضٍ ما!

الأسباب

توضحُ نصر، أن «التفكيرَ الزائدَ في حالاتٍ، لا يعودُ إلى سببٍ معيَّنٍ، يكون مسؤولاً عنها، لكنْ في أخرى، ترجعُ الأسبابُ إلى موقفٍ، سبقَ أن واجهه المرءُ في مرحلةٍ غير بعيدةٍ، وتلقَّى نتيجةً لذلك تعليقاتٍ سلبيَّةً، فأصبح يفكِّرُ بها دون انقطاعٍ. وقد تكون الطفولةُ سببَ التفكيرِ الزائد، وطريقةُ التنشئةِ أيضاً، كما في حال مَن كان أهله، يُعيرون اهتماماً كبيراً لآراءِ الناس. مع التقدُّمِ في العمر، يفكِّرُ المرءُ كثيراً في نظرةِ الناس إليه مهما كان التصرُّف الذي يؤديه». تستطردُ الاختصاصيَّةُ في الأسباب: «قلَّةُ الثقةِ في النفس، وعدمُ تقديرِ الذات مؤثِّران أيضاً فقد يشكو الإنسانُ من التفكيرِ الزائدِ عندما لا يسمحُ لنفسه بأي هامشٍ من الخطأ، وهو شديدُ الانتباه لكلِّ تصرُّفٍ، ويُعوِّل كثيراً على رأي الناس به».

قد يهمك الاطلاع أيضاً على علامات عدم الثقة بالنفس عند المرأة

في العموم، تؤكِّدُ نصر، أن «الأشخاصَ الذين يشكون من التفكيرِ الزائدِ مُتعَبون نفسياً، سواء كان هذا التعبُ ظاهراً، أو كان المرءُ قادراً على إخفائه. هم أيضاً يتحمَّلون مسؤوليَّةً كبيرةً، ونتيجةً لذلك، يُفرطون في التفكير، كما يخشون الخطأ! ولا يعيشون اللحظةَ، ولا يتمتَّعون بها! ويبدو من لغةِ الجسدِ أنهم ليسوا منفتحين، أو مُرحِّبين، بل يظهرُ أنهم، حينما يقابلون أحداً، وكأنَّهم يُخفون جسدهم، وأنهم غير مرتاحين».

زيارة المعالج النفسي

تنصحُ الاختصاصيَّةُ بزيارةِ المُعالجِ النفسي فورَ شعورِ المرءِ بأن التفكيرَ الزائدَ يزعجه، ويُؤثِّر في نشاطاته، وعمله، وحياته الاجتماعيَّة، علماً أنه «كلّما تأخَّرت الزيارةُ، زادَ العلاجُ صعوبةً». ولناحيةِ علاجِ الحالة، تكشفُ نصر: «هناك العلاجُ السلوكي المعرفي المعروفُ اختصاراً بـ cbt، وقد أثبتت الدلائلُ فاعليَّته. ويعتمدُ المعالجُ، خلال العلاجِ السلوكي المعرفي، على التركيزِ على الفكرةِ التي تشغلُ بالَ الشخصِ حتى يدفعه إلى التخلُّصِ منها، كما على السلوكِ أي على مدِّ الشخصِ بطرقٍ عمليَّةٍ لإيقافِ تكرارِ التفكيرِ بهذا الأمر». وتتابعُ: «من بين التمريناتِ للتخفيفِ من التفكيرِ الزائد شغلُ البالِ لدقائقَ بمسألةٍ رياضيَّةٍ، أو كلماتٍ متقاطعةٍ للانصرافِ عن الفكرةِ التي تراودُ المرءَ باستمرارٍ. وفي حالاتٍ متقدِّمةٍ، أو صعبةٍ، يمكن أن يحوِّلَ المعالجُ الشخصَ الذي يشكو من التفكيرِ الزائدِ إلى طبيبٍ مختصٍّ بالأمراض النفسيَّة، ليصفَ له دواءً»، ولو أن الاختصاصيَّة لا تُفضِّل اللجوءَ إلى العلاجِ الدوائي مباشرةً، لكنْ بعد القيامِ بجلساتٍ عدة، وعدمِ الوصولِ إلى النتائجِ المأمولة.