mena-gmtdmp

طبيب يحذّر: تجاهُل الضغوط النفسية البسيطة قد يقود إلى سلوكيات مؤذية للنفس

امرأة تعاني من اضطراب نفسي- المصدر: pexels-shkrabaanthony
امرأة تعاني من اضطراب نفسي- المصدر: pexels-shkrabaanthony

يُعَدّ إيذاء النفس، من السلوكيات المقلقة التي تعبّر عن ألم نفسي عميق أو صراع داخلي صامت. وهو لا يكون رغبة في الموت بالضرورة؛ بل هو محاولة للتخفيف من مشاعر سلبية يصعُب التعبير عنها بالكلمات، مثل: الحزن، الغضب، أو الإحباط.
قد يلجأ البعض إلى إيذاء أنفسهم كوسيلة مؤقّتة للشعور بالسيطرة، أو لتفريغ الضغط النفسي. إلا أن هذا السلوك، يُشكّل خطراً على الصحة الجسدية والنفسية، وغالباً ما يكون علامة على حاجة الشخص إلى الدعم والمساندة النفسية المتخصصة؛ لمنع الوصول إلى الانتحار.
إن فهم أسباب إيذاء النفس، والتعامل معه بوعي وتعاطف، يشكّلان الخطوة الأولى نحو الشفاء والتعافي، ومساعدة المصاب على إيجاد طرق أكثر أماناً للتعبير عن مشاعره، ومواجهة ألمه الداخلي قبل فوات الأوان.
في يوم توعوي حول أهمية الصحة النفسية، دعت إليه مستشفى فؤاد خوري BMG في بيروت، حضرت «سيّدتي» وكان لها حوار مع الاختصاصي في الأمراض النفسية، الدكتور إيليو ساسين، هنا نَصه:

الدكتور إيليو ساسين


ما هي أمراض العصر التي تجعل الإنسان يفقد السيطرة على أعصابه ونفسه؛ فيبادر إلى إيذاء نفسه؟

نحو 90 بالمئة من الأشخاص الذين يحاولون إيذاء أنفسهم، أو يُقدِمون على الانتحار الذي يُعتبر "أقصى مرحلة من إيذاء النفس"، يعانون من اضطرابات نفسية، معظمها شائع، مثل: الاكتئاب، اضطراب ثنائي القطب، الذهان، وحتى حالات القلق النفسي والوسواس القهري.
معظم الأشخاص الذين لديهم اضطراب نفسي، قد يكون شديداً ومؤلماً لدرجة تجعلهم لا يرَون طريق الخلاص منه سوى بإيذاء النفس.

هل من علاجات فاعلة لهذه الأمراض النفسية الخطيرة؟

تتوفر العلاجات لجميع الحالات المَرضية النفسية التي سبق ذكرها، شرط أن يصل المريض إلى عيادة الطبيب المختص بالأمراض النفسية قبل أن يُقدِم على أيّ فعل لا رجعة عنه.
يمكن للطبيب المعالج أن يقدّم العلاج الملائم لكل حالة، ويُزيل الأفكار السيئة من فكر المريض.

يُعتبر تعزيز ونشر ثقافة الصحة النفسية على قدْر من الأهمية؛ فما المطلوب في هذا الإطار؟

لاتزال مجتمعاتنا تنظر إلى الشخص المكتئب أو المريض النفسي، على أنه شخص عادي لا شيء يسرّه، ويعتبرون أن شخصيته هي كذلك؛ فيُمطرونه بعبارات تشجيعية مثل: "ماذا بك؟ حياتك جيدة ولا ينقصك شيء. انظر إلى النعم التي لديك وكن قوياً". لكن الحقيقة، هي أنه مريض نفسي يحتاج إلى العلاج، مثله مثل أيّ شخص آخر يعاني من مرض عضوي.
هنا، على المحيطين والمقرّبين من المريض، أن يرصدوا إشارات مرضه (حزن عميق، عدم القدرة على الضحك والقيام بالهوايات المعتادة، البقاء بمنأى عن الآخرين، قلة الكلام والتواصل)، ويحاولوا بشتى الطرق اصطحابه إلى عيادة الطبيب النفسي عبْر احتضانه وعدم استعمال القسوة معه؛ لتلقي العلاج والشفاء من الحالة التي يعيش معها، ويستعيد حياته الطبيعية من جديد.
هنا نذكّر بأن التوعية حول الأمراض النفسية أمرٌ مهم؛ لتجنُّب العواقب الوخيمة على المريض وعلى عائلته. فالمرض النفسي ليس عيباً على الإطلاق. ولقد حان الوقت لنشر هذه الثقافة المجتمعية حوله.

هل عامل الوراثة يلعب دوراً في الإصابة بالأمراض النفسية؟

كما الحال في أمراض أخرى مثل القلب والسرطان وغيرها، يمكن للمرض النفسي أن ينتقل بالوراثة من جيل إلى آخر. نعم ومع الأسف تُعتبر الوراثة عامل خطر للإصابة ببعض الأمراض النفسية.

كيف يمكن التفريق بين الاكتئاب الخفيف والعابر والذي يمكن الخروج منه من دون مساعدة طبية، وبين الاكتئاب الحادّ الذي يتطلب العلاج الفوري لمنع تدهوُر حالة المريض ووصوله إلى مرحلة إيذاء النفس؟

كلّ حالة اكتئاب أو قلق نفسي، تحتاج إلى تقييم اختصاصي. قد يكون هذا الأخير طبيباً أو معالجاً نفسياً، والاثنان يعملان سوياً ودائماً لتقديم الأفضل للمريض، وَفق حالته المَرضية ودرجتها.
الحالات الشديدة، يتم تحويلها إلى عيادة الطبيب لتلقي العلاج الدوائي اللازم، فيما الحالات الخفيفة يمكن أن تخضع لجلسات لدى المعالج النفسي؛ فيتحقق الشفاء.
لكن، دائماً يجب تقييم الحالة من قِبل الاختصاصي؛ إذ إن بعض المرضى، لا تظهر عليهم علامات اكتئاب قوية، في حين قد يعانون منها بالفعل.


كيف لنا أن نكتشف العلامات التي تدل على أن الآخر يعاني من مرض نفسي يتطلب العلاج؟

امرأة داخل عيادة الطبيب النفسي- المصدر: pexels-liza-summer


هناك سمات محددة تشي بأن الشخص يعاني من اضطراب نفسي، مثل:

  • الانتقال من حال إلى حال آخر.
  • الكآبة في معظم الأوقات.
  • الحزن.
  • الانطواء على النفس.
  • قلة النشاط.
  • اضطرابات في النوم.
  • اضطرابات في الشهية.

إذا وُجدت هذه السمات، واستمرت لأكثر من شهر؛ فإن ذلك يشي بوجود معاناة نفسية شديدة تتطلب العلاج لدى الطبيب.

ما أهمية الدعم النفسي المبكّر، وما الخطوات المتّبعة في ذلك؟

الدعم النفسي المبكّر هو عنصر أساسي في الوقاية من تفاقُم المشاكل النفسية. فالتدخّل في المراحل الأولى، يُساعد الفرد على التعامل مع الضغوط والمشاعر الصعبة، قبل أن تتحوّل إلى اضطرابات أكثر خطورة مثل: الاكتئاب أو إيذاء النفس.
كما أن تقديم الدعم في وقتٍ مبكّر، يعزّز الإحساس بالأمان، والثقة بالنفس، والقدرة على التكيّف مع الأزمات.
يُسهم الدعم المبكر أيضاً في:

  • الحد من تطوُّر السلوكيات السلبية أو الانعزالية.
  • تحسين التواصل والتعبير عن المشاعر بطريقة صحية.
  • تعزيز العلاقة بين الفرد والمجتمع أو الأسرة؛ مما يوفّر شبكة دعم فعّالة.
  • تقوية القابلية نحو العلاج النفسي عند الحاجة.


أما بالنسبة للخطوات المتّبَعة في تقديم الدعم النفسي المبكّر؛ فهي على النحو الآتي:

  • ملاحظة التغيّرات في السلوك أو المزاج كما سبق وأشرنا، وهي الخطوة الأولى لاكتشاف الحاجة إلى الدعم.
  • منح الشخص الذي يعاني من مشكلة نفسية، مساحة آمنة للحديث من دون حكم أو نقد، مع إظهار التعاطف والاهتمام الحقيقي بمشاعره.
  • اصطحابه إلى عيادة اختصاصي نفسي أو معالج سلوكي؛ لتَلقي العلاج المناسب.
  • المتابعة المستمرة لحالة المريض بعد تحسُّن حالته، هي على قدرٍ من الأهمية لتدعيم الاستقرار النفسي على المدى الطويل، وضمان عدم الانتكاس.


* ملاحظة من «سيّدتي»: قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليكِ استشارة طبيب مختص.