أينما اتجهنا في الإمارات.. نحو أبراجها وجسورها ومتاحفها، وفنونها وثقافتها، نجد بصمة المرأة الإماراتية تروي قصة حضارية، مفعمة بالتطور والنمو، لا يحدها عائق، بصمة مليئة بالشغف، وحب الاطلاع، وإثبات الذات، وقد أضأنا في يوم المرأة الإماراتية على تفاصيل شابة إماراتية تروي قصتها من قلب المشهد الثقافي الإماراتي، وهي تدرس أحداث التاريخ لتعيد رسم ملامحه بلغة معاصرة لتبرز مكانة الهوية الوطنية الإماراتية في القلب، وتنفتح على العالم... من داخل ذلك الصرح المهيب في اللوفر أبوظبي، التقينا مريم الظاهري، مساعدة أمين متحف في اللوفر أبوظبي، التي تحتفي بيوم المرأة الإماراتية تحت شعار: "يداً بيد نحتفي بالخمسين"، الذي يتوافق مع مرور 50 عاماً على تأسيس الاتحاد النسائي العام في الإمارات.

تعمل مريم، ذلك الوجه الشاب بملامح عربية في متحف اللوفر أبو ظبي منذ يناير 2015. أخذتنا في جولة أنيقة بعباية راقية تعبر عن ثقافتها وإرثها بأنوثة المرأة المحتشمة، وهي تشرح لنا بشغف عن قطع المتحف، التي تغوص عبر الأزمان، تقول مريم: "أنا شغوفة أيضاً بعلم الآثار وأقوم بالتنقيب منذ عام 2014 في الإمارات العربية المتحدة وخارج البلاد، وقد ورثت هذا الشغف بالتاريخ والفن من علاقتي الوطيدة بجدتي لوالدتي هيلين سانت مارتوري؛ فقد كانت أستاذة في اللغة اللاتينية، وخبيرة بتاريخ الفن، وكانت تصطحبني منذ الطفولة في زيارات إلى متاحف فرنسا، خلال زياراتي العائلية هناك؛ كوني إماراتيةً لأم فرنسية، زرت معارض ومتاحف عدة، بمتعة المستكشف التي لا تنضب، وقد غرست هذه التجارب المبكرة بداخلي حب الفن، ووجهت مساري نحو هذا المجال".
ذكريات لا تنسى
كجزء من تطورها المهني، أجرت مريم دورة في تاريخ الفن مع معهد سوثبي للفنون وعملت في متحف اللوفر باريس مع فريق العلاقات الخارجية لعدة أشهر لتتعلم كيفية عمل المتاحف قبل افتتاح متحف اللوفر أبوظبي، تخرجت في عام 2014 من كلية الاتصالات وعلوم الإعلام بجامعة زايد بدرجة البكالوريوس في السياحة والاتصالات الثقافية، وحصلت على درجة الماجستير في تاريخ الفن ودراسات المتاحف في جامعة السوربون أبوظبي، تستدرك قائلة: "من خلال تدريبي في متحف «اللوفر باريس» بقسم الشؤون الخارجية عام 2016؛ تفهمت كيفية عمل المتاحف قبل افتتاح متحف «اللوفر أبوظبي» في 2017، وقد شملت هذه التجربة جوانب مختلفة من العمل بالمتحف، ومن الذكريات الرائعة مشاركتي في زيارة وفد المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي إلى المتحف بباريس، وقد ساهمت، أيضاً، في افتتاح مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في متحف «اللوفر باريس». هذه التجربة أكسبتني فهماً عملياً لدور أمين المتحف في إدارة وعرض المجموعات، والتفاعل مع الزوار من خلفيات ثقافية مختلفة.
10 سنوات في عالم المتاحف

بمناسبة مرور عشر سنوات في عالم المتاحف، تعمل مريم الآن كمساعد أمين متحف في اللوفر أبوظبي، عادت بذاكرتها إلى الوراء لسنوات، وقالت: "كنت سابقًا في فريق الاتصال ثم انتقلت إلى الشؤون المؤسسية والدولية قبل الانضمام إلى قسم إدارة المقتنيات الفنية وأمناء المتحف والبحث العلمي في عام 2021. عملت كمنسقة مساعدة لمعرض "حروف من نور"، ومعرض "ملوك إفريقيا وملكاتها، أشكال الحكم ورموزه" كما يوجد قسم مخصص للعصور الوسطى من المعارض الدائمة التي أشارك في عملها والتي تتضمن العديد من المهام من إعارة الأعمال الفنية والمقتنيات إلى عرضها مثل النصوص الإرشادية".
من الذكريات الرائعة مشاركتي في زيارة وفد المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي إلى المتحف بباريس، ومساهمتي، في افتتاح مركز الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في متحف «اللوفر باريس»
التاريخ الإنساني
رؤية طويلة المدى لتطوير المعروضات في المتحف، تنظر من خلالها مريم بعيداً، حيث عبرت عن فخرها بطريقة اختيار الأعمال الفنية التي تُعرض في المتحف، وقالت: "أتى متحف اللوفر أبوظبي ثمرة اتفاق استثنائي عُقد بين حكومتي أبوظبي وفرنسا في عام 2007، فيمتلك المتحف مجموعة فنية دائمة تغطي آلاف السنين من التاريخ الإنساني في السرد العالمي والأعمال المُعارة من قبِلَ الشركاء الفرنسيين. من أبرز الأعمال الفنية الإسلامية الرائعة المعروضة لأول مرة في الدولة هي "علبة تحمل اسم الأمير المغيرة" (968م، إسبانيا)، وهي مُعارة من قسم الفنون الإسلامية في متحف اللوفر في باريس.
وكذلك الفؤوس الحجرية المعروضة في أول صالة بمتحف اللوفر أبوظبي تلامس شيئاً عميقاً. تعود هذه الأدوات إلى مئات آلاف السنين، وربما كانت تُستخدم في المهام اليومية، لكنها تمثل أيضاً شكلاً بدائياً من الفن، أبدعته يد الإنسان. أن نتمكن من التواصل مع حضارات بعيدة في التاريخ الإنساني بمجرد أن يكون أمامنا، هو دليل قوي على قوة الحفظ ونقل المعرفة عبر العصور. كما تُعرض ثلاث قطع تعبّر عن رؤية المتحف؛ إحداها تتضمن مجموعة متحف اللوفر أبوظبي (500,000 – 200,000 سنة قبل الميلاد من فرنسا)، وقطعتان أُعيرتا من وزارة الثقافة السعودية (800,000 ق.م من ينبع)، ومن المتحف الوطني للآثار في فرنسا (800,000-300,00 ق.م من الجزائر)، القطعة القادمة من شبه الجزيرة العربية، بتعرجاتها، تُذكرني بكثبان الصحراء، وهي أداة بسيطة متعددة الاستخدامات، وتُجسد تماماً البيئة التي وُجدت فيها. هذه القطعة تدفعني للتفكير في الأثر التي نتركها كأفراد المجتمع لأجيال المستقبل... يُعد اللوفر أبوظبي منصّة لاختبار الأفكار الجديدة في عالم تسوده العولمة، كما يدعم نمو الأجيال القادمة من المواهب وروّاد الثقافة، كما يُعد المتحف بمثابة منصة ترتبط فيها أواصر المجتمعات ويحظى فيها الجميع بالترفيه عبر معارضه الدولية، وبرامجه، ومتحفه الخاص بالأطفال".
التوازن بين المعروضات العالمية والهوية الثقافية

منذ افتتاحه، حرص المتحف على دمج التراث الإماراتي ضمن سياق عالمي، عُرضت قطع من مواقع من مختلف إمارات الدولة، لتكون شاهداً على غنى المنطقة الثقافي، ومكوناً أصيلاً في سردية الإنسانية التي يقدمها المتحف.
تحكي مريم عن استراتيجية المتحف في الحفاظ على التوازن بين المعروضات العالمية والهوية الثقافية لدولة الإمارات، وتستدرك قائلة: "منذ افتتاحه عام 2017، يُولي متحف اللوفر أبوظبي أهمية لعرض التراث الإماراتي ضمن سرده العالمي، على سبيل المثال، تم عرض رؤوس سهام من العين (1500–1000 ق.م)، وخنجر بمقبض على هيئة أسد من دبي (1100–600 ق.م)، وعقود خرز من عجمان تعود للألف الثالث قبل الميلاد، وطبق روماني من أم القيوين (100م)، وصحن صيني من رأس الخيمة (1500–1600م). وسنواصل، ضمن الفريق القَيِّم، دمج هذا التراث في السرد الشامل للمتحف، بما يعكس تنوّع وثراء المنطقة".
متحف العائلة

وعن التعاون مع المتاحف العالمية الأخرى، تقول: "تعاون متحف اللوفر أبوظبي مع متاحف عالمية منها الأردن وعمان والمملكة العربية السعودية، وكوريا الجنوبية والفلبين والمكسيك. على سبيل المثال، كشف متحف اللوفر أبوظبي النقاب عن اللوحة الزيتية الأيقونية "امرأة من بولاكان" للفنان الفلبيني خوان لونا، المعروضة حالياً في قاعات المتحف، ويمثل هذا الحدث التاريخي ثمرة أول تعاون مباشر بين المتحفين، كما أنه يسهم في تعزيز الحوار الثقافي الذي يشهد زخماً كبيراً بين البلدين".
نطبق استراتيجية المتحف في الحفاظ على التوازن بين المعروضات العالمية والهوية الثقافية لدولة الإمارات
مريم التي بدأت منذ عام 2020، بأرشفة صور عائلتها وتوثيق تاريخ العائلتين من الجانبين الإماراتي والفرنسي. تقول: "أحلم بإنشاء متحف صغير داخل منزل العائلة، سواء كان في مزرعة قديمة بجنوب فرنسا، أو في أرض واحة العين، حيث وُلدت ذكريات الوالد من طفولته التي لا تُنسى. سيكون ذلك فرصة لتوثيق الهوية والحنين والانتماء".