سعوديَّةٌ ملهمةٌ، استقت إلهامها من عمقِ ثقافتها، وأصالةِ حضارةِ بلادها، فحوَّلت التراثَ إلى لغةٍ عصريَّةٍ، تنبضُ أناقةً وجمالاً. تصاميمُها، تُحلِّقُ بين الماضي والحاضرِ، وتنقلها إلى العالميَّةِ، وتُجسِّد فيها صورةَ المرأةِ السعوديَّةِ التي يفخرُ بها الجميع اليوم. المصمِّمةُ السعوديَّةُ هنيدة صيرفي، التقتها “سيدتي” في حوارٍ خاصٍّ، تعرَّفنا من خلاله على رحلتها، واكتشفنا رؤيتَها لعالمِ الأزياءِ والإبداع.
تصوير | لينا مو
المصممة هنيدة صيرفي

كيف كانت بداياتُكِ في عالمِ التصميم؟
رحلةُ شغفي بالأقمشةِ والتفصيلِ، بدأت في الطفولة. كنت أرى في كلِّ قطعةِ قماشٍ قِصَّةً، تنتظرُ مَن يحكيها، وفي كلِّ لونٍ شعوراً مختلفاً. في صغري، كنت أنجذبُ إلى جمالِ التفاصيل، لا سيما طريقةُ خياطةِ القطعِ القديمة وحتى إلى ملامحِ المرأةِ التي ترتديها بثقةٍ، وكانت اللحظةُ الحقيقيَّةُ التي شعرتُ فيها بأن الموضةَ طريقي للتعبيرِ عن ذاتي عندما رأيتُ أوَّلَ تصميمٍ لي يتحوَّلُ من فكرةٍ على الورقِ إلى قطعةٍ حقيقيَّةٍ، تلامسُ الناس، وتثيرُ مشاعرَ مَن يراها. في ذلك اليوم، قرَّرتُ أن يكون التصميمُ مهنةً، ورسالةً أيضاً.
هل واجهتِ تحدِّياتٍ في بداياتكِ بوصفكِ مصمِّمةً سعوديَّةً؟
بالتأكيد. لم يكن الطريقُ سهلاً، إذ واجهت عديداً من التحدِّيات من كسرِ الصورةِ النمطيَّةِ إلى إثباتِ أن المصمِّمَ السعودي قادرٌ على المنافسةِ عالمياً. لم يكن الاعترافُ بالموهبةِ وحده كافياً، بل كان عليَّ أن أُثبِت أن لدينا في السعوديَّةِ قصصاً، تستحقُّ أن تُروى من خلال الموضة. هذه التحدِّياتُ كانت حقيقيَّةً، لكنَّها صقلت شخصيَّتي، وجعلتني أكثر تصميماً على المضي قُدماً لأكون صوتاً لجيلٍ كاملٍ من المبدعين السعوديين.
ما القيمُ، أو الرسائلُ التي تحرصين على عكسها من خلال تصاميمكِ؟
كلُّ قطعةٍ أصمِّمُها، تحملُ في داخلها رسالةً. أحرصُ على أن تعكسَ تصاميمي روحَ القوَّةِ والأنوثةِ في آنٍ واحدٍ، وأن تُجسِّد تمكينَ المرأةِ من خلال لغةٍ راقيةٍ، تُعبِّر عن شخصيَّتها، لذا أنا لا أصمِّمُ للزينةِ فقط، بل ولأمنح المرأةَ أيضاً شعوراً بالفخرِ بهويَّتها وذاتها. الموضةُ بالنسبةِ لي، ليست رفاهيَّةً، إنها وسيلةٌ للتعبيرِ عن قيمنا وثقافتنا، وعن قصصنا التي تستحقُّ أن تُسمَع.
"نحن نعيش مرحلة ذهبية تعيد تعريف الموضة السعوديَّة كقوّة ثقافية"
جدة والإلهام

جدة مدينةٌ ذات طاقةٍ خاصَّةٍ، كيف أثَّرت في رؤيتكِ؟
جدة مدينةُ البحرِ والحكايات. لقد علَّمتني أن الجمال، يمكن أن يكون بسيطاً وعميقاً في الوقتِ نفسه. تنوُّعها الثقافي، وروحُها المتسامحة، ألهماني كثيراً في تشكيلِ هويَّتي الفنيَّة. جدة، ليست فقط مكاناً عشتُ فيه، إنها أيضاً روحٌ، ترافقني في كلِّ تصاميمي.
إذاً روحُ البحرِ، والتنوُّعُ الثقافي في جدة، ينعكسان في أعمالكِ؟
نعم. جدة مدينةٌ مفتوحةٌ على العالم، وفيها تنوُّعٌ لغوي وثقافي كبيرٌ، وهذا ما ألهمني أن أجعلَ تصاميمي لغةً عالميَّةً، تحملُ نكهةً محليَّةً. روحُ البحر، والانفتاحُ، والدفء الإنساني الذي تتميَّزُ به عروسُ البحرِ الأحمر، ينعكسُ تلقائياً في تفاصيلِ عملي.
ما المكانُ، أو المشهدُ في جدة الذي يُلهِمُكِ دائماً؟
من أكثر الأماكنِ التي تُلهِمُني منطقةُ جدة التاريخيَّة. هذا المكانُ، ليس مجرَّد حجارةٍ قديمةٍ، أو مبانٍ تراثيَّةٍ، بل هو ذاكرةٌ حيَّةٌ، تحملُ بين جدرانها قصصَ الأجيال، وروحَ المدينةِ الأصيلة. كلُّ زاويةٍ فيها، تهمسُ بحكايةٍ: من نوافذها الخشبيَّةِ المزخرفةِ إلى أبوابها العتيقة. هذه التفاصيلُ كانت مصدرَ إلهامٍ أساسياً لي في تصميمِ مجموعاتٍ، تمزجُ بين التراثِ والعصريَّة حيث أستحضرُ روحَ الماضي، وأعيدُ صياغتها بلغةِ الحاضرِ التي تخاطبُ العالم.
طفولتي في جدة التاريخيَّة، تركت ذكريَّاتٍ لا تُنسى: أصواتُ الأزقَّةِ، ورائحةُ الخشبِ، وزينةُ البيوت، جميعها شكَّلت جزءاً من هويَّتي الإبداعيَّةِ، لذا عندما أصمِّمُ قطعةً، تحملُ لمسةً تراثيَّةً، أشعرُ وكأنَّني أعيدُ إحياءَ هذه الذكرياتِ المستقرَّةِ في قلبي بطريقةٍ راقيةٍ وحديثةٍ.
ومن عالم التصميم والأزياء يمكنك التعرف على المصممة السعودية ريم الكنهل
عالم الموضة في السعودية

كيف ترين التحوُّلَ الكبيرَ في مشهدِ الموضةِ اليوم؟
نحن نعيشُ مرحلةً ذهبيَّةً في تاريخِ الموضةِ السعوديَّة. لم تعد الموضةُ ترفاً، بل أصبحت جزءاً من حركةٍ ثقافيَّةٍ واجتماعيَّةٍ، تعكسُ صورةَ بلادنا الجديدة. هناك مساحةٌ حقيقيَّةٌ للإبداع، وفرصٌ غير مسبوقةٍ للمصمِّمين السعوديين لعرضِ أعمالهم على منصَّاتٍ عالميَّةٍ. هذا التحوُّلُ، يعكسُ رؤيةً واضحةً للارتقاءِ بالقطاعِ الإبداعي إلى مستوياتٍ عالميَّةٍ.
ما الذي يُميِّز المصمِّمَ السعودي من وجهةِ نظركِ؟
أعتقدُ أن ما يُميِّزه قدرتُه على المزجِ بين الأصالةِ والابتكار، والتعبيرُ عن هويَّةٍ غنيَّةٍ بلغةٍ معاصرةٍ، يفهمها العالم. نحن لا نُصمِّم لمجرَّد الجمال، بل نحملُ معنا قِصَّةً وهويَّةً وثقافةً.
واليوم، ومع الدعمِ الكبيرِ الذي تُقدِّمه هيئةُ الأزياءِ تحت مظلَّةِ وزارةِ الثقافة، أصبح المصمِّمون السعوديون على خارطةِ الموضةِ العالميَّة، ويشاركون في المنصَّاتِ الكبرى، ويصنعون بصمةً خاصَّةً، تُمثِّل المملكةَ بثقةٍ وأناقةٍ. هذا الدعمُ، لم يفتح لنا الأبوابَ فقط، بل وجعلَ العالمَ أيضاً يلتفتُ إلينا، ويُصغي إلى قصصنا عبر تصاميمنا.
كيف يمكن للموضةِ أن تكون أداةً ثقافيَّةً؟
الموضةُ بالنسبةِ لي، ليست مجرَّد ملابسَ فقط، إنها وسيلةٌ للتعبيرِ عن الهويَّةِ والقيم، والحوارِ بين الثقافات. قطعةٌ واحدةٌ، يمكن أن تحملَ قِصَّةً كاملةً عن بلدٍ ما، عن حضارةٍ، وعن امرأةٍ، صنعت فرقاً. من خلال الموضةِ أيضاً، نستطيعُ أن ننقل رسائلنا للعالمِ بطريقةٍ ناعمةٍ، لكنَّها قويَّةٌ جداً في الوقتِ نفسه.
إلى أي مدى أصبح الجمهورُ السعودي اليوم أكثر وعياً بالموضة؟
الجمهورُ السعودي، أصبح أكثر انفتاحاً ووعياً الآن. هناك تقديرٌ متزايدٌ للهويَّةِ المحليَّة، ورغبةٌ في ارتداءِ قطعٍ، تُعبِّر عن ثقافتنا وتاريخنا، لكنْ بروحٍ عصريَّةٍ. هذا الوعي يُعزِّز من قوَّةِ المصمِّمِ المحلي، ويمنحنا دافعاً أكبر للابتكار.
"أول مجموعة صممتها في حياتي، كانت مهداةً لوالدتي زهرة قطان"
الدعم والشراكات

هل تلقَّيتِ المساعدةَ من جهاتٍ، أو مبادراتٍ ما؟
قطاعُ الأزياءِ في السعوديَّة، يتلقَّى اليوم دعماً مؤسَّسياً مهماً. من خلال مبادراتِ وزارةِ الثقافةِ وهيئةِ الأزياء، تمَّ فتحُ مساحاتٍ واسعةٍ أمامَ المصمِّمين السعوديين للتطوُّر، والحضورِ في المنصَّاتِ العالميَّة. هذه المبادراتُ أسهمت في تعزيزِ الوجودِ السعودي عالمياً، ووفَّرت لنا الأدواتِ اللازمة، والدعمَ المطلوب لبناءِ علاماتٍ تجاريَّةٍ قويَّةٍ.
هل هناك منظومةٌ متكاملةٌ تدعمُ المصمِّمَ السعودي عالمياً؟
نعم. ملامحُ منظومةِ الدعم، بدأت تظهرُ بشكلٍ واضحٍ. هناك برامجُ لتطويرِ المصمِّمين، ومِنحٌ، وفرصٌ للمشاركةِ في أسابيعِ الموضةِ الدوليَّة، إضافةً إلى دعمٍ حكومي واستثماري يُعزِّز هذا التوجُّه، لكنْ طموحنا لا يتوقَّفُ هنا، فما زال أمامنا كثيرٌ من الإمكانات، لنصلَ إلى موقعٍ أقوى وأكثر استدامةً على الساحةِ العالميَّة.
كيف تصفين دورَ المجتمعِ السعودي والمرأةِ السعوديَّةِ في دعمكِ وتشجيعكِ للمضي في هذا المجال؟
والدتي، السيِّدةُ زهرة قطان، حفظها الله، هي مصدرُ إلهامي الأكبر. كانت تؤمنُ بي من أوَّلِ يومٍ، وتضعُ ثقتها فيّ بطريقةٍ، أعطتني القوَّةَ لأكمل طريقي. أوَّلُ مجموعةٍ صمَّمتُها في حياتي، كانت مهداةً لها، واستوحيتها من روحها وذوقها الراقي، وأطلقتُ عليها اسمَ “الحديقةِ السريَّة”. بالنسبةِ لي، لم تكن مجرَّد مجموعةِ أزياءٍ، لقد كانت رسالةَ حبٍّ وامتنانٍ لامرأةٍ، آمنت بي دون شروطٍ. كذلك دعمُ المرأةِ السعوديَّةِ لي، سواء من عائلتي أو من المجتمعِ بشكلٍ عامٍّ، كان له أثرٌ كبيرٌ. المرأةُ كانت الداعمةَ الأولى، واليوم أنا أكملُ المسيرةَ بثقةٍ بفضلِ هذا الدعمِ المتجذِّرِ في قيمنا.
نقترح عليك قراءة اللقاء الخاص مع المصممة السعودية فداء القعود
"كل قطعة قماشٍ تحمل قصة تنتظر من يعيد سردها بخيوط الشغف والإبداع"
البعد الإنساني والثقافي

تقولين عن أزيائكِ إنها “تحكي قصصاً”، ما القِصَّةُ وراءَ تصاميمكِ؟
كلُّ تصميمٍ عندي، يحملُ قِصَّةً. تصاميمي تحكي قِصَّةَ امرأةٍ، آمنت بنفسها، وقضيتها، وغيَّرت مَن حولها. أحبُّ أن أروي عبرها قِصصَ نجاحٍ لنساءٍ، أثَّرن في محيطهن ومجتمعاتهن، سواء في السعوديَّة، أو في بلدانٍ وثقافاتٍ مختلفةٍ.أستلهمُ من شخصيَّاتٍ، صنعت فرقاً مثل أوَّلِ امرأةٍ، صعدت إلى الفضاءِ، فالنتينا تيريشكوفا Valentina Tereshkova، وأوَّلِ امرأةٍ سعوديَّةٍ، كسرت حاجزاً تقليدياً، وفتحت البابَ لغيرها. هذه النماذجُ تُشعِلُ خيالي، فأربطُ بين الشرقِ والغربِ، بين الماضي والحاضر، لأقول إن المرأةَ قادرةٌ على أن تكون عنصرَ تغييرٍ أينما كانت. القِصَّةُ عندي، ليست مصدرَ إلهامٍ بصرياً فقط، إنها أيضاً رسالةٌ إنسانيَّةٌ، أدمجها في الأقمشةِ، في القصَّاتِ، وفي الألوان، وأحكي من خلالها حكايةَ امرأةٍ، ألهمت عصرها، تماماً كما نرى اليوم في السعوديَّةِ من قصصِ نجاحِ نساءٍ، يصنعن المستقبل.
كيف تُعبِّرين عن المرأةِ السعوديَّةِ في تصاميمكِ؟
أجسِّدُها بوصفها امرأةً، تجمعُ بين الحداثةِ والجذور، وأنيقةً، وواثقةً، وقويَّةً، لكنَّها في الوقتِ نفسه تتمسَّك بهويَّتها. المرأةُ السعوديَّةُ اليوم، تُلهِمُ العالم، وأنا أحرصُ على أن تعكسَ تصاميمي هذه الصورةَ المتكاملة.
ما العلاقةُ بين الجمالِ والهويَّة؟
الجمالُ الحقيقي، لا يكتملُ دون هويَّةٍ. الهويَّةُ، هي ما يمنحُ التصميمَ روحَه، ويجعله مختلفاً وفريداً. قد تكون القِصَّةُ خلفَ التصميمِ أهمَّ من التصميمِ نفسه، فهي ما يمنحُه عمقَه وخلودَه.
عندما تُصمِّمين، هل تُفكِّرين في المزجِ بين الشرقِ والغرب؟
دائماً ما أفعلُ ذلك. أؤمنُ بأن القوَّةَ في هذا التوازن، لذا أستلهمُ من الشرقِ أصالتَه، ومن الغربِ حداثتَه، وأصيغُ من المزجِ بينهما لغةَ تصميمٍ عالميَّةً، لا تُشبه إلا نفسها. بالنسبةِ لي، الموضةُ جسرٌ، يصلُ بين الثقافات.
كيف تتعاملين مع فكرةِ “التراثِ” في تصاميمكِ؟
التراثُ بالنسبةِ لي، ليس مجرَّد ماضٍ جميلٍ، نحتفظُ به، إنه جذرٌ، وهويَّةٌ، وذاكرةٌ حيَّةٌ، ونستطيعُ من خلاله بناءَ مستقبلٍ مختلفٍ. عندما أنظرُ إلى التراثِ السعودي، أرى فيه طاقةً إبداعيَّةً هائلةً، أرى فيه أصالةً، وفناً راقياً، يُلهِمُني في كلِّ مجموعةٍ، أعملُ عليها. أنا لا أعيدُ نسخَ التراثِ كما هو، بل أعيدُ قراءتَه بلغةٍ معاصرةٍ، تعكسُ مكانةَ المرأةِ السعوديَّةِ اليوم، وتربطُ بين ما كان، وما أصبح. تُلهِمُني الأشكالُ الهندسيَّةُ في المباني القديمة، والألوانُ الدافئةُ في الملابسِ التقليديَّة، والزخارفُ اليدويَّةُ التي كانت تصنعها الجدَّاتُ بحبٍّ. هذه التفاصيلُ، تتحوَّلُ في يدي إلى تصاميمَ، تحملُ روحَ الماضي، وتعيشُ في الحاضر. التراثُ له بُعدٌ عاطفي كبيرٌ، لذا يُعيدني إلى ذكرياتِ الطفولةِ، إلى جدة القديمةِ، إلى الروائحِ والأصواتِ التي شكَّلت وجداني. أحياناً، يكفيني أن ألمحَ زخرفةً تراثيَّةً، أو باباً خشبياً قديماً لأبدأ مجموعةً كاملةً مستوحاةً من هذه اللحظة. أنا أؤمنُ بأن قوَّةَ المصمِّم، تكمنُ في قدرته على خلقِ حوارٍ بين الماضي والمستقبل، وعليه، عندما أستحضرُ التراثَ في تصاميمي، لا أقدِّمُه بوصفه عنصراً قديماً، بل بوصفه رمزاً متجدِّداً، له روحٌ، وقيمةٌ عالميَّةٌ.
يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط





