لا تعتمد السعادة على الإنجازات العظيمة أو أن تعيش حياة مثالية. يكمن سر السعادة الحقيقية في تنمية المشاعر الإيجابية من خلال أنشطة ممتعة، والحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتقويتها، وممارسة الامتنان والانفتاح، والسعي لتحقيق أمور هادفة، وهذه الأمور يمكن تحقيقيها عبر تعزيز عادات يومية تُعزز الرضا والصحة النفسية وتُحسّن من طريقة تعاملك مع الحياة. فرب تغييرات بسيطة في تفكيرك وعلاقاتك وروتينك قد تُحدث فرقاً كبيراً لم تكن تتوقعه يساعدك في بناء حياة أقل إرهاقاً، وأكثر توازناً وإشباعاً ورفاهية، وفق هذا السياق "سيدتي" التقت لمياء رامي عبد السلام استشاري تنمية بشرية في حوار يخبرك الكثير عن عادات يومية لتعزيز السعادة الحقيقية والرضا النفسي.
السعادة والرضا النفسي يمكن لكل منا أن يصل لهما

تقول لمياء رامي عبد السلام استشاري تنمية بشرية لسيدتي: تُوصف السعادة بأنها مزيج من الرضا عن الحياة والمشاعر الإيجابية المتكررة، على أن بعض التعريفات تؤكد أن السعادة لا تعني غياب المشاكل، بل تعني القدرة على الحفاظ على موقف إيجابي ومرن في مواجهة الصعوبات اليومية، فالسعادة كقيمة لا تقتصر على لحظات الفرح فقط، بل تشمل الشعور بأن للحياة معنى وقيمة، وفي دراسات علم النفس، تُعتبر السعادة مؤشراً على الرضا الذاتي ومن ثمّ الرفاهية العامة للشخص، على أن مفهوم السعادة قد يختلف باختلاف عدد من العوامل منها الثقافة والتجربة الشخصية التي تتأثر بالجوانب العاطفية والمعرفية والاجتماعية التي تؤثر على كيفية تقييم الشخص لحياته.
تقول لمياء: عملياً، يمكن فهم السعادة على أنها توازن بين الإنجازات الشخصية والعلاقات المُرضية وشعور المرء بالسيطرة على حياته، فالشعور بالسعادة والرضا النفسي يمكن لكل منا أن يصل لهما إذا استطاع الاستمتاع بتجارب جديدة واعتمد عدداً من الممارسات في الحياة اليومية تجعل الحياة أكثر توازناً وإشباعاً.
قد ترغبين في التعرف إلى: كيف تجد مصادر السعادة؟
تكرار الشعور بالسعادة يرسخ نمط حياة أكثر توازناً واكتمالاً

تقول لمياء: ترتبط المتعة بالتجارب الفورية والأحاسيس الجميلة الممتعة المرتبطة بها، على أن الشعور بالسعادة الحقيقية قد يكون أكثر استقراراً واستدامة. ويشمل الشعور بالرضا النفسي الرضا عن الحياة، والتمتع بصحة نفسية جيدة، وتكوين علاقات اجتماعية قوية وغيرها من الأمور التي تكرس للسعادة كحالة عاطفية وشعورية ترتبط بمشاعر الفرح والهدوء والامتنان. هذه الحالات ليست دائمة دائماً، لكنها تؤثر على التصور العام للحياة.
تقول لمياء: رجوعاً لعلم الأعصاب، سنجد أن المشاعر الإيجابية المتكررة تعزز الرضا النفسي وتُقوي مناطق الدماغ المرتبطة بالدافع والمرونة. وهذا يُعزز تفاؤلاً أكبر تجاه التحديات، لافتة أنه على المستوى الاجتماعي، يميل من يمرون بهذه الحالة إلى بناء علاقات أقوى والمشاركة في أنشطة تعزز الشعور بالانتماء للمجتمع. وهذا يُسهم في حالة من الرفاهية الجماعية.
وتؤكد الاستشارية لمياء أن السعادة على الرغم من كونها شعوراً عابراً، إلا أن تكرارها يُساعد على ترسيخ نمط حياة أكثر توازناً واكتمالاً.
تابعي المزيد: كيفية الشعور بالسعادة
3 مفاتيح ذهبية للسعادة
تقول لمياء: تعتمد االسعادة الحقيقية على إدراك ما تشعر به، والحفاظ على شعور بالامتنان، وتعلم التخلي عن الاستياء. هذه العناصر تُحسّن مزاجك، وتعزز الهدوء، وتسمح لك بحياة أكثر توازناً وسعادة، وهناك 3 مفاتيح ذهبية تجذب السعادة كالمغناطيس وهي:

إدارة المشاعر
تتضمن إدارة المشاعر تحديد ما تشعر به في أي لحظة وإعطائه المساحة المناسبة. يساعد إدراك الحزن أو الغضب أو الفرح على منع تراكم التوتر الذي يؤثر على الرفاهية العاطفية، تعزيز الرضا النفسي، ويمكنك في هذا الصدد الاحتفاظ بمذكرات يومية لحالتك المزاجية وكتابة وصف موجز لمشاعرك كل يوم في دفتر ملاحظات، ومن ثمّ يُمكّنك توقع المواقف التي تُسبب لك الانزعاج، يمكن أن يُخفف التعبير عن الخلاف بهدوء من حدّة الخلافات ويحافظ على علاقات صحية، كما أن تقنيات مثل التنفس العميق أو التأمل القصير قد تساعدك على إدارة مشاعرك واستعادة الهدوء في اللحظات العصيبة والتخلص من شعور الاستياء واستبداله بمشاعر السعادة.
ممارسة الامتنان
يُعزز الامتنان الصحة النفسية لأنه يركّز على ما يُجدي نفعاً في الحياة. إن إدراك الجوانب الإيجابية، حتى الصغيرة منها، يُحسّن المزاج ويُقلّل من الشعور بالنقص، كما أن التعبير عن الامتنان مُباشرةً مُفيدٌ أيضاً. قول "شكراً" لشخصٍ ما على لفتةٍ مُعيّنة يُقوّي الروابط ويُهيئ جوًاً من الثقة وينشر أجواء السعادة.
التسامح
يُساهم التسامح في تحسين الرضا النفسي ومن ثمّ الصحة النفسية لأنه يُخفّف من وطأة الاستياء. أما التمسك بالضغينة فيُطيل أمد الانزعاج ويُؤثّر على السلام الداخلي، والتسامح لا يعني تبرير ما حدث، بل التخلّص من المشاعر السلبية المُصاحبة له. قد تستغرق هذه العملية وقتاً، لكنها تمنع الغضب من أن يصبح عبئاً مستمراً، فالتسامح يُقلل من التوتر العاطفي، ويعزز علاقات صحية، ويزيد من الشعور بالسلام الداخلي، ومن ثمّ السعادة.
والرابط التالي يقودك خلال رحلتك نحو السلام الداخلي.. 10 خطوات صغيرة لراحة تامة
ممارسات يومية لتعزيز السعادة الحقيقية والرضا عن النفس
تقول لمياء: هناك عادات صحية للسعادة إذا اكتسبناها جعلنا من السعادة والرضا النفسي شعوراً دائماً يكتنفنا معظم الأوقات، فالحفاظ على روتين يُعزز الصحة البدنية والعقلية يؤثر بشكل مباشر على كيفية إدراك الشخص لحياته اليومية. إن الجمع بين الحركة والرعاية النفسية والراحة الكافية عادات يومية تُساعد على تقليل التوتر وتحسين الصحة العامة.
ممارسة الرياضة والنشاط البدني

تُعزز ممارسة الرياضة بانتظام إفراز مواد كيميائية تُولد شعوراً بالراحة والسعادة. فالمشي أو الجري أو ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة على الأقل يومياً يُساهم في الحفاظ على الصحة البدنية وتقليل خطر الإصابة بالأمراض، مع ملاحظة أنه ليس من الضروري ممارسة تدريب مكثف المهم هو المواظبة والتكيف مع احتياجات كل شخص. تساعد الحركة المتكررة على تقليل التوتر وتحسين جودة النوم. كما أنها تعزز التركيز والطاقة خلال اليوم، مما يؤدي إلى مزاج أفضل ودافع أكبر لأداء مهام أخرى.
رعاية الصحة النفسية
تتطلب الصحة النفسية اهتماماً كبيراً تماماً مثل الصحة البدنية. تساعد ممارسة تقنيات مثل التأمل، والتنفس العميق، واليقظة الذهنية على إدارة القلق والحفاظ على صفاء الذهن.
الحفاظ على علاقات اجتماعية
يُعد الحفاظ على علاقات اجتماعية صحية أمراً أساسياً يعزز الشعور بالسعادة الحقيقية، فالتحدث مع الأصدقاء مثلاً، وقضاء الوقت مع العائلة، أو المشاركة في الأنشطة المجتمعية يوفر الدعم العاطفي ويقلل من الشعور بالعزلة، كما أن تكريس بعض الوقت لبناء علاقات جيدة يُعزّز الصحة النفسية، فالثقة المتبادلة والدعم العاطفي يقللان من الشعور بالوحدة ويزيدان الشعور بالرضا ويحسّنان المزاج في الحياة اليومية.
الحدّ من التوتر والتخلص من القلق
تحديد مصادر التوتر والحدّ منها يفسح المجال لمشاعر السعادة والرضا النفسي أن تتسرب لدواخلنا، إن تحديد الأولويات، وتعلم قول "لا"، وتنظيم الوقت بشكل واقعي، كلها خطوات عملية لحماية الصحة النفسية.
الراحة والنوم الهادئ
يُتيح النوم ما بين 7 و9 ساعات يومياً للجسم والعقل التعافي من ضغوطات اليوم. كما يُقوي النوم الكافي جهاز المناعة، ويُحسّن الذاكرة، ويُساعد على الحفاظ على توازن عاطفي مستقر، كما أن اتباع روتين مُنتظم للنوم يسهل الحصول على راحة جيدة. يُعدّ إطفاء الشاشات قبل النوم بنصف ساعة على الأقل، والالتزام بجداول منتظمة، وتجنب الوجبات الدسمة ليلاً من الإجراءات البسيطة والفعّالة.
التواصل الاجتماعي والدعم
يُؤثّر التواصل الاجتماعي بشكل مُباشر على الرضا النفسي. حيث الحفاظ على تواصل مُستمر مع العائلة أو الأصدقاء أو المشاركة في مجموعات الاهتمامات، أو التطوع، أو الأنشطة الرياضية، وبناء علاقات هادفة في المُجتمعات المُحيطة يُعزز الشعور بالانتماء ويُقلل من احتمالية المعاناة من الشعور بالوحدة ويكرس لاستقرار عاطفي أكبر ومن ثم الوصول للسعادة، ويمكن أن يتخذ الدعم أشكالاً متعددة:
- الاستماع الفعّال في المحادثات
- المساعدة العملية في المهام اليومية
- مرافقة شخص ما في الأوقات الصعبة
هذه المبادرات، وإن بدت بسيطة، إلا أنها تُحسّن المزاج وتُعزز الشعور بالأمان.
والرابط التالي يعرفك المزيد من طرق التغلب على الشعور بالوحدة والعزلة في مرحلة الشباب
الثقة وتقدير الذات
الثقة بالنفس أساسية لبناء علاقات مستقرة. فبدون تقدير كافٍ للذات، يصعب الانفتاح على الآخرين ومشاركة التجارب بصدق. يؤثر تقدير الذات أيضاً على كيفية إدارة النزاعات. فالذين يُقدّرون أنفسهم يميلون إلى حل الخلافات بهدوء، مما يحمي مزاجهم وجودة علاقاتهم.
تحديد الأهداف والنمو الشخصي
يتطلب التقدم الشخصي وضوحاً بشأن ما تُريد تحقيقه ومثابرة للحفاظ على الدافع. إن وضع أهداف ملموسة وتقدير التقدم يُعزز الصحة النفسية ويحافظ على عادات تُسهم في السعادة، كما أن وضع أهداف واضحة يتيح لك تركيز أفعالك على نتائج قابلة للتحقيق. عندما تُحدد ما تُريد تحسينه، يُمكنك تصميم خطوات ملموسة لتحقيقه. هذا يُجنّبك الشعور بالركود ويُعزز حياة أكثر تنظيماً.
الاحتفال بالإنجازات والتقدم

إن تقدير الإنجازات، حتى الصغيرة منها، يُعزز الدافعية ويُعزز تقدير الذات ومن ثمّ يكرس للشعور بالسعادة الحقيقية. فعندما يحتفل المرء بتقدمه، يُولّد لديه شعوراً بالرفاهية يدفعه للسعي وراء أهداف جديدة، وليس بالضرورة أن يكون التقدير مُعقداً. يُمكن أن يكون بسيطاً كتسجيل التقدم في دفتر ملاحظات، أو مُشاركته مع شخص مُقرب، أو منح نفسك مكافأة صغيرة. تُساعد هذه الإجراءات على الحفاظ على الاتساق.
الاستمتاع بالحياة وتجارب جديدة
تتعزز السعادة عندما ينفتح الشخص على لحظاتٍ تُشعره بالسعادة والسكينة. إن استكشاف بيئاتٍ مُختلفة وتعلم مهاراتٍ جديدة يُوسّع آفاقه ويُثري حياته اليومية، فمثلاً السفر والاستكشاف يُتيح فرصةً مدهشة للتحرر من الروتين اليومي واكتشاف بيئاتٍ تُولّد الهدوء النفسي وتعزز الشعور بالسعادة، فباستكشاف أماكن جديدة، يتعرّف الشخص على مناظر طبيعية وأصواتٍ وعاداتٍ تُحفّز العقل والجسد. حتى رحلةٌ قصيرةٌ داخل المنطقة نفسها يُمكن أن تُحدث تغييراً كبيراً.
تعلم أشياء جديدة
تعلم شيء جديد يُحفّز العقل ويبني الثقة. قد يكون لغةً، أو وصفةً، أو آلةً موسيقية، أو مهارةً عمليةً كالتصوير الفوتوغرافي. هذه الأنشطة تُضفي متعةً على الحياة. لأنها تُولّد إنجازات ملموسة وشعوراً بالتقدم والاستمتاع، وكل هذه الامور تزيد من الشعور بالرضا النفسي والسعادة.
والسياق التالي يعرفك إلى: كيف تكوني سعيده رغم المشاكل؟





