الصداقات في مرحلة المراهقة، تصبح أكثر حضوراً وتأثيراً في حياة الابنة؛ فهي تمضي وقتاً طويلاً مع أقرانها، تتبادل الحديث، الأنشطة، وربما التأثيرات اليومية. وهنا تشير تقارير أساتذة التربية وعلماء الطب النفسي إلى أن العلاقات بين الأقران تؤثر بشكل مباشر على المراهقين ونظرتهم لأنفسهم.
لهذا كثيراً ما تسأل الأم نفسها: مَن هؤلاء الأصدقاء والصديقات الذين تصادقهم ابنتي؟ هل يدعمونها؟ أم يؤثرون فيها بطريقة قد لا تكون في صالحها؟ الدكتور محمود سليمان، استشاري علم النفس يسلّط الضوء على أفكار تساعد الأم على كيفية طرح أسئلة غير مباشرة لتقييم مدى إيجابية صداقات ابنتها المراهقة، ومدى حاجتها لتوجيه بسيط، ثم تضع مجموعة توصيات لطيفة تساعد الأم في التعامل بسرّية وحكمة، من خلال عدة محاور.
مفهوم الصديق والصداقة الحقيقية

الصداقة علاقة اجتماعية وإنسانية عميقة تقوم على المودة، الثقة، والاحترام، والصدق وهي رابطة قوية تجمع بين شخصين أو أكثر، وتتميز بالاهتمام المتبادل، الدعم، التفاهم، والتعاون في الأوقات الصعبة والجيدة على حد سواء، وتستمر من خلال المواقف التي تتجاوز الحضورر اليومي.
الصداقة ليست مجرد تسلية في حياة المراهقة، بل مرآة تعكس شخصيتها ونموها، ومع اهتمام الأم الهادئ وذكائها في طرح تساؤلات غير مباشرة، يمكنها أن تكون الداعم الأول الذي يوجّه الابنة نحو صديقات يشجعنها على الاهتمام بالدروس والنشاط البدني، ما يبني شخصيتها ويمنحها الثقة والنضج، أم أنهن يشغّلنها عن ذلك؟
هل تودين معرفة.. كيف يُفرق الطفل بين الصداقة الحقيقية والسامة؟
أركان الصداقة الأساسية

- تبادل المشاعر الإيجابية والتقدير المتبادل بين الأفراد.
- الشعور بالاطمئنان والقدرة على ائتمان الآخر.
- الالتزام بالصدق هو جوهر الصداقة، وهي مشتقة من الصدق.
- مساندة الأصدقاء لبعضهم البعض في مختلف المواقف، وتوفير الدعم النفسي والعملي.
- القدرة على فهم احتياجات ومشاعر الطرف الآخر، والتواصل بوضوح.
نماذج للأسئلة الذكية:

المحور الأول: للتشجيع على الدراسة والنشاط الرياضي
في هذا المحور نطرح تساؤلات غير مباشرة حتى تعرف الأم ما إذا كانت صديقات الابنة يشجعنها على الاهتمام بالدروس والنشاط البدني، أو أنهن يشغّلنها عن ذلك، وهذه الطريقة تمنح الابنة فرصة للتفكير دون شعور باللوم أو المراقبة.
ما هي الخطة التي وضعتها مع صديقاتكِ للأنشطة الأسبوع المقبل؟
وهل فكرتن في ممارسة رياضة أو زيارة للمكتبة؟
ما الذي تحبّينه أكثر: الجلوس مع صديقاتكِ لدراسة شيء جديد أم أن ترتّبن معاً خروجاً للتسلية؟
ما الذي تشعرين به عندما يمرّ بك يوم بلا دراسة أو نشاط رياضي؟ هل يهمّك أن تغيّري هذا قليلاً؟
هنا تشير الدراسات إلى أن وجود أقران يهتمّون بالإنجاز الأكاديمي والنشاط البناء يرتبط بنتائج أفضل في الدراسة
أما عندما تلاحظ الأم أن ابنتها لا تفتح كتاباً أو تتجنب الرياضة وتقضي ساعات طويلة في التسلية، يمكنها أن تطرح أسئلتها- السابقة- بشكل لطيف.
المحور الثاني: الفضول وتعلّم مهارات جديدة
الصداقة المثمرة يمكن أن تكون شرارة لفضول الابنة لتجربة مهارات أو موضوعات جديدة مثل البرمجة، الرسم، الموسيقى أو القراءة. أمّا الصداقة التي تحصر الوقت في الجلوس بلا هدف أو متابعة أشياء سطحية فمخاطرها واضحة، الأم يمكنها أن تسأل:
هل فكرتِ أنتِ وصديقاتكِ في تعلّم شيء جديد معاً؟ مثل دورة قصيرة أو مشروع صغير؟ أو: ما آخر فكرة جديدة ألهمتكِ بها صديقتكِ؟
ما رأيكِ أن تتعلّمي مع صديقتكِ شيئاً جديداً، حتى لو لمدة نصف ساعة في الأسبوع؟
تُشير الأبحاث إلى أن الأصدقاء الإيجابيين يغذّون في المراهقين حب التعلّم والفضول، في حين أن الأصدقاء غير المهتمين بأي نشاط معرفي قد يضعفون هذا الاتجاه، وبهذه الطريقة يتحول النقاش من نقد إلى تشجيع.
المحور الثالث: القيم وعادات الإنفاق
الصداقات في سن المراهقة لا تؤثر فقط على الدراسة أو الهوايات، بل تمتد إلى طريقة التفكير في المال والاختيارات اليومية، من هنا يُطرح السؤال:
هل تشجّع صديقات الابنة على شراء أشياء لا حاجة لها؟ أم يوجّهنها إلى البساطة والتفكير العملي؟
عندما تخرجن معاً، ما الذي تخترنه؟ هل تفكّرن في قيمة ما تنفقنه أم أن الهدف فقط هو التسلية؟
تشير البحوث الاجتماعية إلى أن الأصدقاء الذين يتّسمون بالقيم الإيجابية والاعتدال في الإنفاق يرسّخون هذه العادات في محيطهم. أما الرفقة التي تبالغ في المظاهر فقد تُشعر المراهقة بالضغط أو النقص.
يمكن للأم أن تذكّر ابنتها بأن الصداقة لا تُقاس بالإنفاق أو الهدايا، بل بالمشاركة والمساندة.
ما رأيكِ أن تخططي ليوم خيري بسيط أو نشاط بدون إنفاق؟ أحياناً المتعة الحقيقية تكون في البساطة؟ اقتراح بسيط:
المحور الرابع: الدعم العاطفي والتوازن الاجتماعي
يمكن أن تسأل الأم:
هل تشعر ابنتكِ بالراحة مع صديقاتها؟ هل يجدن وقتاً للدعم والتفاهم أم أن علاقتهن مليئة بالمشاحنات والمقارنات؟
عندما تمرّين بيوم صعب في المدرسة، هل تلجئين لصديقاتكِ؟ هل يساعدنكِ على الهدوء؟ أو: هل تشعرين بالراحة بعد لقائهن أم بالتعب؟
تشير تقارير الصحة النفسية إلى أن الصداقات الداعمة تقلّل من القلق والتوتر، بينما العلاقات المتوترة ترفع الإحباط وتضعف الثقة بالنفس
الأم الذكية لا تهاجم هذه الصداقات بل تفتح الباب لحوار هادئ.
ما رأيك أن تنظّمي يوماً خاصاً للراحة مع صديقاتك دون هواتف أو ضغط؟
هكذا تشجّع ابنتها على التوازن والوعي دون أن تشعر بأنها تتدخل.
توصيات للأم

عزيزتي الأم: هدفكِ ليس مراقبة ابنتكِ أو فرض اختياراتها، بل مرافقتها لتكتشف بنفسها معنى الصداقة الحقيقية.
استمعي أكثر مما تتكلمين: امنحي ابنتكِ مساحة لتعبّر بحرية، حتى لو لم تتّفقي مع رأيها.
استخدمي الأسئلة غير المباشرة: بدلاً من السؤال الصريح هل صديقاتكِ جيدات؟، جربي ما أكثر شيء تحبينه في
صداقاتكِ؟
شاركيها في الأنشطة: اقترحي نشاطاً مشتركاً مع صديقاتها مثل رياضة أو مشروع تطوعي.
راقبي التأثير لا العدد: جودة الصداقة أهم من عدد الأصدقاء.
تدخّلي بحنان عند الحاجة: إذا لاحظتِ تغيّراً سلبياً في دراستها أو مزاجها، تحدثي معها بهدوء دون لوم.
كوني قدوة: الأم التي تحافظ على صداقات صحية ومتوازنة تُعلّم ابنتها بالمثال لا بالكلام.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليكِ استشارة طبيب متخصص.






