mena-gmtdmp

تجربتي في تحويل ميل طفلي للمخاطرة إلى قوة إيجابية؟.. 7 طرق مدروسة

صورة لأم وطفلتها التي سقطت على الأرض
أمّ تدعم طفلتها بعد سقوطها على الأرض

تقول "أم ماجد": "في ساعة ما من يوم ما وجدتِ نفسي أراقب طفلي ماجد -9 سنوات- وهو يقود دراجته بسرعة على طريق غير ممهد، ومرة ثانية شاهدته يقفز من مكان مرتفع دون خوف أو تردّد، ومرات كثيرة أحسه يندفع بين حجرات المنزل دون اهتمام أو تركيز، وكأنه يجري من وحش يلاحقه. والحق يُقال شعرت بمزيجٍ من الخوف والفخر في تلك اللحظة؛ الخوف من الإصابة، والفخر بجرأته وثقته بنفسه، وحتى أتأكد من صواب رأيي، وأجد حلاً لهذه الازدواجية، دخلت على النت فعرفت أن ميل الأطفال للألعاب الخطرة ظاهرة شائعة، تُعرف في علم النفس التربوي باسم ميل الأطفال إلى "اللعب الخطر" أو تجربة المخاطرة".
شاركتنا الدكتورة التربوية عزة عبد القادر وأستاذة علم نفس الطفل سماع تجربة الأم عاليا، وبعدها قامت بتوضيح جوانب هذه الظاهرة المنتشرة بين فئات كثيرة من الأطفال، بعرض أسبابها، علاماتها، جوانبها الإيجابية، مخاطر الإفراط في الحماية، ثم رصدت مجموعة من التوصيات العملية للأمهات.

"أم ماجد" تواصل حكايتها:

طفل مندمج في اللعب

وقبل الدخول في تقييم تجربة "أم ماجد" الشيقة، نتركها تواصل حكايتها فتقول: بعد أن مرت عدة حوادث على ابني ونجاه ربي منها، بدأت أكتشف ميله إلى المخاطر ومنها: البحث الدائم عن تحديات جديدة، حتى بعد تعرضه لسقطة أو ألم بسيط.
وبطبيعة الحال بعد أن يحاول تجاوز القواعد والحدود الموضوعة له في اللعب، كما وجدته كثيراً ما يُصر على خوض التجربة دون طلب مساعدة، خصوصاً في الأنشطة البدنية، مع رد فعل هادئ رغم تعرضه لموقف خطر، وكأنه يعتبره جزءاً من التعلم.
وفي نفس الوقت كنت أشعر أن ما يحدث لا يدل على عناد أو عصبية، بل شخصية تسعى لاكتشاف قدراتها، ما حفزني على السماح له بخوض مغامرات جديدة؛ حتى لا يبحث لاحقاً عن تجارب أكثر خطورة في السنوات القادمة، كطريقة متأخرة لإثبات الذات.

التقييم التربوي:

طبيعة اللعب الخطر ولماذا يجذب الأطفال؟

صديقان يلعبان

هنا تؤكد الدكتورة عزة: أن هذا السلوك طبيعي وشائع، وليس دليلاً على تهور أو مشكلة سلوكية كما قد يظن البعض، وهذا الميل ليس اندفاعاً أو عناداً، بل سلوك طبيعي له جذور نفسية وتربوية عميقة، ويمكن أن يتحول إلى مصدر قوّة بالتوجيه والحكمة.
اللعب الخطر يتمثل في كل نشاط يتضمّن درجة من التحدي الجسدي أو النفسي؛ كالتسلّق، وركوب الدراجة بسرعة، والتوازن على الأسطح، أو تجربة أدوات جديدة دون معرفة مسبقة بكيفية استخدامها.
يميل الأطفال لذلك بين سن السادسة، وتزداد بداية من سنوات المراهقة؛ لأنهم يريدون أن يعرفوا حدود قدراتهم، وأن يشعروا بالسيطرة على أجسادهم وقراراتهم.
تُظهر دراسات تربوية حديثة أنه من خلال المخاطرة، يتعلم الطفل معنى القدرة والحد الآمن في الوقت نفسه، وهناك أكثر من أربعة من كل خمسة أطفال حول العالم يشاركون أسبوعياً في نوع من أنواع هذا اللعب.

كيف تُحوّلين طاقة ابنك المراهق إلى قوة إيجابية؟ تعرفي إلى الخطوات داخل التقرير

الأطفال والمراهقون وحب المخاطرة

مراهقون يفضلون المخاطرة

تتفاوت درجة الميل إلى المخاطرة بين الأطفال، وتتأثر بعوامل عدّة منها:
الطبيعة الشخصية: بعض الأطفال يولدون بميول استكشافية قوية، يبحثون عن المجهول ويستمتعون بالتجربة أكثر من النتيجة.
البيئة الأسرية: الطفل الذي يعيش في بيئة مشجعة على الاستقلال واتخاذ القرار يميل إلى التجربة أكثر من طفل يُراقَب باستمرار.
العلاقات الاجتماعية: الرغبة في إثبات الذات أمام الأقران تلعب دوراً كبيراً، خاصة في مرحلة الدراسة الابتدائية.
الظروف المكانية: الأطفال الذين يعيشون في بيئات مفتوحة (قرى، مناطق ريفية) أكثر ميلاً للّعب الحر من أولئك الذين يعيشون في مدن مزدحمة؛ حيث المساحات محدودة.
فهم هذه العوامل يساعد الأمهات على التمييز بين السلوك الطبيعي والسلوك الذي يحتاج إلى تدخل، ويمنحهن فرصة لتقويم البيئة قبل الحكم على الطفل نفسه.

كيفية تحويل المخاطرة إلى قوة إيجابية!

فوائد تربوية وتنموية كبيرة: في هذا السلوك، متى كان في إطار آمن وموجَّه،رغم أن غالبية الآباء يربطون المخاطرة بالأذى.
بناء الثقة بالنفس: حين ينجح الطفل في اجتياز تحدٍ صغير، يشعر بالقدرة والإنجاز، ما يعزز تقديره لذاته.
تطوير المهارات الحركية: القفز، التسلق، الركض السريع، جميعها تقوي العضلات والتوازن والتناسق.
تعلم تقييم المخاطر: من خلال التجربة المباشرة، يتعلم الطفل الفرق بين الخطر المقبول والخطر الحقيقي، ما يجعله أكثر حكمة في قراراته المستقبلية.
تعزيز الاستقلالية والمسؤولية: الطفل الذي يُسمح له باتخاذ قرارات صغيرة يتعلم تحمل نتائجها، وهي خطوة مهمة نحو النضج.
تحفيز الإبداع: التجرؤ على تجربة الجديد يفتح أمام الطفل آفاقاً للتفكير الابتكاري وحل المشكلات.
في المقابل:

  • تشير بعض الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يُمنعون تماماً من اللعب الحر، أو يُراقَبون بشكل مفرط، قد يعانون من ضعف في المبادرة والاعتماد على الذات، إضافة إلى ارتفاع معدلات القلق لديهم.
  • أظهر البحث أن ما يقارب سبع من كل عشر أمهات يشعرن بضغط اجتماعي لحماية أطفالهن بشكل مفرط، ما يؤدي في النهاية إلى تقليل فرص اللعب المستقل لدى الصغار.

طرق مدروسة لتوجيه الميل للمخاطرة بطريقة آمنة

طفل يتألم من سقوطه على الأرض

ليس الهدف منها منع الطفل من المخاطرة، بل تحويلها إلى تجربة تعليمية آمنة. فيما يلي بعض الخطوات العملية للأمهات:

  1. المراقبة من بعيد: اسمحي له بالتجربة، لكن كوني قريبة بما يكفي للتدخل عند الحاجة، ولا تظهري خوفك المفرط حتى لا ينتقل إليه.
  2. تهيئة البيئة الآمنة: وفّري مساحة للعب تحتوي على أرضيات لينة وأدوات آمنة، بحيث يُشبع الفضول لديه دون ضرر حقيقي.
  3. الحوار بعد التجربة: ناقشيه بهدوء حول ما شعر به وما تعلمه، وساعديه على تحليل الموقف بدلاً من منعه مستقبلاً.
  4. وضع حدود واضحة: اشرحي له بوضوح ما هو مقبول وما هو خطر فعلاً، مثل الأماكن المحظورة أو الأنشطة التي تحتاج إشرافاً مباشراً.
  5. القدوة الشخصية: حين يرى الطفل والدته تتعامل مع التحديات بهدوء وثقة، يتعلم منها كيف يوازن بين الحذر والجرأة.
  6. تعزيز النجاحات الصغيرة: امدحيه عندما يتصرف بحكمة أو ينجح في تجربة جديدة؛ لأن التشجيع الإيجابي أهم من التحذير الدائم.
  7. بهذه الطريقة، يتعلّم الطفل أن الشجاعة لا تعني التهور، وأن الخوف ليس ضعفاً بل جزء من التقدير السليم للموقف.

المخاطرة بين الخوف والحب

المخاطرة في اللعب ليست عدواً دائماً
  • في النهاية، كل أب وكل أم تحب أن ترى طفلها آمناً، لكنها أيضاً تتمنى له أن يكون قوياً وواثقاً، والخيط الرفيع بين هذين الهدفين هو التوازن.
  • المخاطرة ليست عدواً ينبغي القضاء عليه، بل طاقة طبيعية تحتاج إلى توجيه، حين نفهم دوافع الطفل ونوفر له بيئة آمنة للتجربة، نمنحه فرصة للنمو النفسي والجسدي المتكامل.
  • الأطفال الذين يُسمح لهم بالمغامرة ضمن حدود واضحة، يصبحون أكثر قدرة على اتخاذ القرار، وأكثر استعداداً للحياة الواقعية بتحدياتها.
  • الطفل الذي يتعلم كيف يسقط وينهض، هو ذاته الذي سيتعلم كيف يفشل ويبدأ من جديد، والمغامرة الصغيرة اليوم قد تكون بذرة الثقة الكبيرة غداً.

*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.