يعيش جيل زد اليوم في قلب تحوّل عالمي غير مسبوق؛ حيث تتقاطع التكنولوجيا المتسارعة مع الضغوط الاجتماعية، والطموحات العالية، وتغيرات الهوية والثقافة. ورغم أن هذا الجيل يتميّز بالذكاء، والمرونة، والانفتاح؛ إلا أنّه يواجه تحدياً عميقاً لا يُرى بسهولة بالعين المجرّدة: صعوبة تنظيم العواطف.
ففي عالم يطالبهم بالجاهزية الدائمة، والكمال المستمر، والظهور المتواصل، يجد الكثير منهم أنفسهم يكافحون للحفاظ على توازنهم الداخلي وسط كمٍّ هائل من التوقعات والمقارنات والضوضاء الرقمية. وهكذا يتحول التحدي العاطفي إلى معركة يومية، يواجهونها بصمت رغم تأثيرها العميق على حياتهم، وهويتهم، وصحتهم النفسية.
أكبر تحدٍّ يواجه جيل زد: معركة تنظيم العواطف

ساندرا فاعور اللقيس، ممارسة الصحة العقلية ومدربة المرونة العاطفية والجسدية، تشرح لـ"سيدتي" وجهة نظرها حول أكبر تحدٍ يواجهه جيل زد.
يعيش جيل زد في العالم العربي لحظة تاريخية نادرة؛ لحظة تتقاطع فيها الهوية مع الثقافة والتكنولوجيا والطموح.
جيل يتميّز بالمرونة، والحدس العالي، والتعبير، والذكاء، وربما بحدةٍ تفوق كل الأجيال التي سبقتهم.
لكن خلف هذه القوة الظاهرة معركة داخلية صامتة يحملها الكثير منهم دون أن يبوحوا بها:
تحدّي تنظيم العواطف وهذا التحدي ليس علامة ضعف، بل نتيجة طبيعية لنشأتهم في عالم يطالبهم بالكمال، والرد الفوري، والحضور الدائم، والأداء المثالي.
يُطلب منهم أن يكونوا منتجين، متوازنين، واثقين، ومتواجدين على الدوام؛ حتى عندما لا يمنحهم العالم لحظة واحدة للراحة أو التقاط الأنفاس.
ماذا تقول الأبحاث في العالم العربي عن الجيل زد؟
البيانات ترسم صورة واضحة وملحّة:
- تشير استطلاعات ASDA’A BCW للشباب العربي إلى أن التوتر والقلق والضغط العاطفي من أبرز مخاوف الشباب في المنطقة.
- في دول الخليج، ترتبط مستويات القلق العالية بتوقعات أكاديمية مرتفعة، وضغوط أسرية، وموجات المقارنة الاجتماعية.
- وفقاً لليونيسف (MENA)، أكثر من 40% من الشباب يشعرون بالإرهاق العاطفي ويصفون أنفسهم بأنهم "غير مستعدين" لإدارة وتيرة الحياة الحديثة وضغوطها.
- بيانات منظمة الصحة العالمية (إقليم شرق المتوسط) تشير إلى ارتفاع معدلات القلق والإجهاد العاطفي بين الشباب نتيجة الحمل الرقمي الزائد وعدم وضوح مستقبلهم.
اذاً، تكشف هذه النتائج عن جيل يحاول أن يحافظ على توازنه الداخلي في بيئة لا تتوقف ولا تمنحه الوقت ليهدأ.
ما رأيك الاطلاع على كيف يختار الشباب تخصصهم الجامعي وسط الحيرة والخيارات الكثيرة؟
كيف يبدو هذا التحدي في الحياة اليومية؟
جيل يتحرك بين عالمين:
- عالم الجذور والتقاليد وما يحمله من توقعات
- وعالم السرعة والعولمة والمقارنات
فينشأ جيل:
- متصل.. لكن مرهق
- طموح.. لكنه مُتعَب
- واثق على الإنترنت.. لكنه ناقد لذاته خارجه
- محاط بالفرص.. لكنه غير متأكد من مكان انتمائه الحقيقي
- هذا التوتر الدقيق يتحوّل إلى معركة يومية مع المشاعر؛ لتغدو مهارة تنظيم العواطف مهارة بقاء أساسية.
ما الذي يحتاجه جيل زد فعلاً؟

- ليس المزيد من النصائح، ولا المزيد من الضغط.
- بل أدوات عاطفية تُعيد لهم القدرة على التنفس والاستيعاب والاتزان
- التوقف قبل التفاعل
- تسمية المشاعر بدلاً من دفنها
- وضع حدود واضحة باحترام وثقة
- أخذ فترات راحة من الضوضاء الرقمية
- البحث عن الهدوء الداخلي وسط صخب الحياة
هذه ليست مهارات إضافية، بل أساسيات للمرونة والثقة والصحة النفسية طويلة المدى.
رسالة إلى جيل زد
- أنت لست "مفرط الحساسية".
- أنت لست "غير مركز".
- أنت لست "ضائعاً".
- أنت ببساطة تحاول أن تعيش في عالم يطلب من جيلك أكثر مما طُلب من أي جيل قبلك.
- ومع الأدوات المناسبة، تتحول حساسيتك إلى قوة، ووعيك إلى حكمة، وعواطفك إلى طاقة فاعلة.
دعوة إلى المجتمع: لنبنِ ثقافة تدعم القوة العاطفية
إن أردنا تمكين هذا الجيل حقاً، فلابد من تغيير طريقة تعاملنا مع الصحة النفسية داخل:
- البيوت
- المدارس
- الحوارات اليومية
علينا أن:
- نتحدث عن المشاعر بوضوح
- نستبدل الأحكام بالفهم
- نُظهر نموذجاً لتنظيم العواطف بدلاً من مطالبة الشباب به
- نقدّم حضوراً ودعماً بدلاً من الضغط
- نعلّم أبناءنا كيف يستمعون إلى أنفسهم قبل أن تغطي أصوات العالم على صوتهم
- لأن حق كل شاب أن يشعر بالأمان داخل نفسه.
- وحق كل جيل أن يحصل على أساسيات الصحة النفسية — لا كميزة، بل كحق أصيل.
يمكنك أيضاً متابعة تحديات يواجهها الشباب في عصر السرعة
جيل زد لا يحتاج منا أن نصنع لهم المستقبل، بل أن نقف إلى جانبهم بينما يتعلمون كيف يسيرون نحوه بقوة ووضوح وثقة عاطفية.
وهنا يبدأ الشفاء الحقيقي، وهنا يصبح المستقبل أكثر قوة وصلابة.





