في الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون فترات الاحتفالات مليئة بالفرح واللقاءات والضحكات، يفاجأ كثيرون بشعور مختلف تماماً: حزن داخلي، ضيق في الصدر، فقدان الحماس، أو حتى رغبة في الانعزال. هذه الحالة تُعرف بما يُسمّى "كآبة فترة الاحتفالات"، وهي تجربة نفسية شائعة أكثر مما نعتقد، لكنها غالباً غير مُعلَن عنها، لأن المجتمع يفرض صورة مثالية للسعادة في هذه المناسبات.
اختصاصية علم النفس فانيسا حداد تطلع قراء وقارئات "سيّدتي" حول أسباب ظهور هذه الحالة وكيفية الخروج منها.

لماذا تظهر كآبة فترة الاحتفالات؟
أحد الأسباب الرئيسية هو التوقعات المرتفعة. نرسم في أذهاننا صورة مثالية عن الاحتفال: عائلة متماسكة، علاقات دافئة وأجواء مليئة بالحب. وعندما لا يتطابق الواقع مع هذه الصورة، نشعر بخيبة أمل داخلية قد تتحول إلى حزن.
سبب آخر هو الوحدة. فترات الاحتفالات تُسلّط الضوء على العلاقات، ومن يفتقد شريكاً، أو صديقاً، أو أحد الأحبة الراحلين، قد يشعر بفراغ مضاعف. الذكريات القديمة تطفو على السطح، ويصبح الغياب أكثر وضوحاً من أي وقت آخر.
كذلك، تلعب الضغوط الاجتماعية والمالية دوراً كبيراً. التحضير للهدايا، الزيارات، الالتزامات العائلية، والمقارنات المستمرة على وسائل التواصل الاجتماعي، كلها تخلق ضغطاً نفسياً خفياً يجعل الشخص يشعر بأنه مُطالب بالسعادة، وليس حرّاً بها.
كما أنه لا يمكن تجاهل الإرهاق العاطفي المتراكم. نهاية السنة أو انتهاء فترة طويلة من العمل والضغوط قد تجعل الجهاز النفسي في حالة إنهاك، وعندما يهدأ الإيقاع فجأة، تظهر المشاعر المؤجَّلة على شكل كآبة.
قد يهمك الإطلاع على اكتشفي ترند 2026 في الصحة والرجيم وفق اختصاصية لـ"سيّدتي"
كيف نميّز كآبة الاحتفالات؟

كآبة فترة الاحتفالات لا تعني بالضرورة اكتئاباً مرضياً، لكنها قد تظهر من خلال:
- شعور بالحزن دون سبب واضح.
- فقدان الرغبة بالمشاركة أو الاحتفال.
- تعب نفسي أو جسدي.
- حساسية مفرطة أو رغبة بالبكاء.
- شعور بالفراغ أو فقدان المعنى.
الاعتراف بهذه المشاعر هو الخطوة الأولى للخروج منها، بدل إنكارها أو الشعور بالذنب بسببها.
كيف نخرج من كآبة فترة الاحتفالات؟
عدة خطوات قد تساعدك على الخروج من كآبة الاحتفالات، وهي على النحو الآتي:
- السماح للنفس بأن تشعر: السعادة ليست واجباً. من حقك أن تشعر بما تشعر به دون جلد للذات. تقبّل مشاعرك يقلّل حدّتها بدل مقاومتها.
- التخفيف من التوقعات: الاحتفال لا يجب أن يكون مثالياً ليكون ذا قيمة. أحياناً، لحظة هدوء أو لقاء بسيط قد يكون أصدق من كل المظاهر.
- إعداد تعريف الاحتفال: اسأل نفسك: ماذا يعني الاحتفال بالنسبة لي؟ ربما هو الراحة، أو العزلة الإيجابية، أو فعل شيء تحبه. لا تسمح للتقاليد بأن تفرض عليك طريقة واحدة للفرح.
- التواصل بصدق: اختر شخصاً واحداً على الأقل يمكنك التحدث معه بصراحة. المشاركة تُخفف الحمل الداخلي، وتذكّرك بأنك لست وحدك.
- التنبّه لجسدك: النوم الجيد، الحركة الخفيفة والتغذية المتوازنة لها تأثير مباشر على الحالة النفسية. الجسد المتعب يضخّم المشاعر السلبية.
- الابتعاد قليلاً عن المقارنات: ما يُعرض على وسائل التواصل ليس الواقع كاملاً. كل شخص يخوض معركته الخاصة، حتى وإن بدا سعيداً من الخارج.
- صنع معنى صغير: مساعدة شخص، كتابة مشاعرك، التأمل، الصلاة، أو الامتنان لثلاثة أشياء بسيطة.. المعنى لا يحتاج إلى احتفال كبير ليُحدث فارقاً.
كآبة الاحتفالات: خاتمة
وتؤكد اختصاصية علم النفس فانيسا حداد في ختام حديثها قائلة: "كآبة فترة الاحتفالات ليست ضعفاً، بل رسالة داخلية تطلب منك التوقّف، الإصغاء، وإعادة التواصل مع ذاتك. أحياناً لا نحتاج إلى مزيد من الضجيج، بل إلى صدق أعمق مع أنفسنا. وعندما نحترم مشاعرنا بدل الهروب منها، نكتشف أن الخروج من الكآبة لا يكون بالقوة، بل باللطف، خطوة بخطوة.
*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.





