إذا كان آباؤنا وأمهاتنا قد استخدموا أسلوب الوعظ المباشر وإلقاء الأوامر أثناء تربيتنا حين كنا صغاراً، فذلك لا يعني أنهم قد أخطأوا في أسلوب التربية، ولكنهم أيضاً لم يتركوا مجالاً لكي تنمو فيه شخصية الطفل بشكل سليم وصحي، ورغم ذلك فقد كنا أسوياء وأصحاء؛ لأن طبيعة الحياة كانت سهلة وبسيطة، أما اليوم ومع تسارع وتيرة التكنولوجيا، فقد أصبح نقد الطفل ولومه باستمرار من الأساليب التي تؤدي إلى نتائج عكسية، وتجعل وسائل التكنولوجيا هي الأب الفعلي للطفل مكوناً عالماً خاصاً بذاته ومبتعداً عن أسرته الحقيقية.
من الضروري أن نبتعد كأمهات وآباء عن نقد ولوم أطفالنا باستمرار؛ لأنهم لن يحتملوا المقارنة مع أطفال آخرين يعيشون في ظروف أفضل من ظروفهم بسبب انفتاح العالم كقرية صغيرة. ولذلك فقد التقت "سيدتي وطفلك" وفي حديث خاص بها باختصاصي تعديل سلوك الأطفال والمراهقين الدكتور علي أبو السعيد؛ حيث أشار إلى 5 نتائج سلبية على شخصية الطفل بسبب النقد واللوم المستمر له من الوالدين، ومن أهمها تأثيره على الشخصية والسلوك والذكاء والطرق الصحيحة للتعامل مع الطفل وتقويم سلوكه في الآتي:
ما هي نتائج لوم ونقد الطفل باستمرار؟
1- تأثير لوم ونقد الطفل على ذاته

اعلمي أن اللوم المتكرر والنقد الذي يُلاحق الطفل يعمل على زيادة شعور الطفل بالدونية، بمعنى أنه يؤثر على ذات الطفل؛ حيث سيشعر طفلك حين يكتشف أن لا شيء يفعله ينال رضاك بأنه دائماً مخطئ، ويصبح بداخله صوت داخلي يهمس له بأنه مخطئ، وبأنه إنسان سيء ومؤذٍ، وبالتالي يبدأ في تكوين ظاهرة الخجل المرضي لديه، وشعوه الدائم بالحرج من مواجهة المجتمع، وعدم قدرته على التعبير عن نفسه خوفاً من الوقوع في الخطأ أمام الآخرين، كما يرفع النقد المستمر للطفل من ظاهرة القلق لديه وإحساسه بأنه ملاحق، مما يعرّضه إلى الإصابة بالاكتئاب في أبسط صوره، وقد يتضاعف في حال عدم تغيير أسلوب التعامل معه.
2- تأثير لوم ونقد الطفل على سلوكه
اعلمي أن الاستمرار في لوم ونقد الطفل وعدم إظهار الرضا عن تصرفاته، يؤدي إلى تحويل الطفل إلى طفل اتكالي بمعنى الكلمة؛ لأنه سوف يكتشف أن لا شيء يفعله سوف يُرضي الآخرين، وسوف يستسلم الطفل لهذا الاعتقاد ويتوقف عن التجربة والمحاولة، ويترك أموره كلها من صغيرها لكبيرها لكي يقوم بها الكبار بدلاً منه، وفي أحيان أخرى قد يصبح الطفل عدوانياً وعنيداً ويتحدى الكبار؛ لكي يحاول حماية نفسه من حديثهم المؤذي نحوه، وكما أن النقد بحد ذاته يحول شخصية الطفل إلى شخصية لديها وسواس ورغبة في الحصول على الكمال؛ لأنه يبحث عن المثالية التي لن يصل إليها على الإطلاق.
3- تأثير لوم ونقد الطفل على ذكائه
لاحظي أن نقد الطفل ولومه على الأخطاء وتوقع السيء منه دوماً سوف يؤثر على ذكاء الطفل؛ لأن تعرض الطفل للضغط النفسي وشعوره بالتوتر والقلق من خوفه من رد فعل الأم مثلاً، سوف يؤدي إلى ضعف التركيز والذاكرة؛ وسوف يصاب بتشتت الانتباه ويصبح الطفل ليس لديه فضول للتعلم، ولا يرغب في الاسكتشاف والتجربة؛ مما يترك أثراً على مهاراته العقلية والإبداعية، ويصبح الطفل لا يمتلك روح المبادرة التي تدل على الذكاء، وبالتالي فقد يلجأ للحلول السيئة وغير الآمنة على اعتقاد منه أنها الحل السليم والصحيح.
4- تأثير لوم ونقد الطفل على مهارات تواصله الاجتماعية
اعلمي أن لوم ونقد الطفل سوف يترك أثره على مهارات التواصل الاجتماعي، والتي تعد من أهم أسس نمو شخصية طفلك ونموه النفسي السليم، وسوف تلاحظين أن طفلك الذي تنتقدينه باستمرار ولا تظهرين الرضا عن أي تصرف يقوم به سوف يتحول إلى طفل منطوٍ وفاشل في تكوين صداقات صحية؛ لأنه يكون لديه شعور دائم بالخوف من السخرية، وفي أحيان قليلة قد ينشئ صداقات قليلة، ويكون متحفظاً في علاقاته، وسوف يكون أباً وزوجاً ناقداً باستمرار في حياته ومع أسرته المستقبلية نتيجة لما تعرض له منذ صغره، مما يعني أن النقد واللوم عبارة عن حلقة مدمرة على مر الأجيال.
5- تأثير لوم ونقد الطفل على مواجهته للمشكلات
توقعي أن يكون طفلك الذي يتعرض إلى اللوم والنقد باستمرار منكِ ومن الأب هو طفل عاجز عن حل المشكلات بهدوء، ولا يمتلك القدرة على التفكير السليم والهادئ والمنظم والمتسلسل، وهذا النمط من التفكير هو أساس حل المشكلات، فالنقد الحاد للطفل يعلمه الاندفاعية والتسرع بدلاً من الاستماع والتفاهم مع الطرف الآخر؛ حيث إن النقد المستمر يخزن داخل أعماقه ويحول تفكيره دائماً إلى الفشل، ويصبح إنساناً منقاداً ليس لديه أي اختيارات للمستقبل.
كيف يمكن أن أتعامل مع طفلي بدلاً من لومه المستمر؟
1- انتقدي سلوك طفلك وليس شخصيته

اعلمي أن النقد هو وسيلة تربوية صحيحة في حال استخدمتِه بطريقة صحيحة وضمن حدود، ومن الطبيعي أن يكون النقد حاضراً في حياتنا الأسرية، ولكن يجب أن يكون منصباً على سلوك الطفل دون المساس بالشخصية، فمثلاً يجب ألا تقولي لطفلك أنت غبي أو أنت فاشل، بل يجب أن تقولي له أنت تصرفت تصرفاً خاطئاً، وفي هذه الحالة أنتِ لم تقومي بتوجيه اللوم إلى ذات الطفل ولم تدمري ثقته بنفسه، بل وجهتِ اللوم للسلوك الذي يمكن أن يتغير؛ حيث يحرص الطفل على إرضاء الأم بكل الطرق وبأسرع وقت.
2- حددي سبب الثناء والتشجيع على طفلك

توقفي تماماً عن استخدام أسلوب الثناء المزدوج على الطفل أو الثناء المبهم، فلا تقولي له أنت طفل مجتهد، فهذه عبارة عائمة بل يجب أن تقولي له أنت طفل منظم لأنك رتبت ألعابك، أو أنت طفل نظيف لأنك تركت المكان نظيفاً بعد أن انتهيت من اللعب، مما يعني أن الطفل سوف يشعر بنتيجة العمل الذي قام به ويقدره ويستمر في القيام به دائماً.
3- اعرضي عليه المساعدة
اهتمي بأن تكوني الجانب الإيجابي في حياة طفلك، بمعنى أنه يجب ألا تقولي له: لقد أتلفت الحائط بسبب رسمك فوقه، ويجب أن تقولي له هل تحب أن أساعدك في تنظيف الحائط لكي يعود نظيفاً، فأنتِ بذلك تكونين قد وجَّهت نظر طفلك إلى الخطأ، وفي نفس الوقت وضعت له الحل بطريقة غير مباشرة، واعلمي أن المساعدة بهذه الطريقة تعزز من طرق كيف تُربين أطفالاً مستقلين؟ الخطوة الأولى تبدأ من البيت بشكل كبير.
4- استخدمي ضمير "أنا" في التوجيه للخطأ
اعلمي أن توجيه الطفل للخطأ بأسلوب اللوم يؤدي إلى تدمير شخصيته وشعوره الدائم بالذنب، وبأنه مراقَب وأن لا شيء يُرضي الأم، ولذلك يجب ألا تقولي له "أنت فعلت كذا"، ولكن قولي له أنا حزينة لأنك تركت المكان غير مرتب، أو أنا حزينة لأنك لم تنظف حذاءك بعد عودتك من الخارح، فهذه العبارات تكون أقل اتهاماً للطفل، وأقل وقعاً على نفسيته، وسوف تدفعه لتغيير سلوكه بكل بساطة حرصاً على رضا الأم.
5- امتدحي الخطوات وليس النتائج
علِّمي طفلك أن يقوِّم سلوكه بنفسه، ولذلك يمكنك أن تطلبي منه أن يقوم بعدة خطوات لإصلاح خطأ ما قد ارتكبه، وأن تثني على كل خطوة يقوم بها، فهو لا زال صغيراً ولا يستطيع أداء العمل مرة واحدة، ولذلك يجب أن تختاري كلماتك بعناية وأن توجهيه خطوة بخطوة؛ لكي يستمر في النجاح، وهذا التوجيه المتدرج يسهم بشكل كبير في تقويم السلوك وبناء شخصية واثقة قادرة على المحاولة والتجريب وتحتمل الخطأ والفشل، وتنتظر منك المديح على كل المحاولات.
قد يهمك أيضاً: الأخطاء التربوية التي تضعف شخصية الطفل






