الإعلامية ريما نجيم:"ميكروفون" الإذاعة بنى مجتمعات 

مرَّت أصواتٌ عدة، «حفرت» في الإذاعاتِ اللبنانيةِ بفئاتها، لعلَّ من أهمِّها الإعلاميةُ ريما نجيم، التي دخلت موسوعةَ «جينيس» بكسرها الرقمَ القياسي في أطول بثٍّ إذاعي بحلقةٍ مباشرةٍ على الهواء، بلغت مدَّتها 46 ساعةً. صحيحٌ أنه جاء مَن يكسرُ الرقمَ بعدها، لكنَّ نجيم ظلَّت مثالاً للمذيعةِ التي تجمعُ بين الثقافةِ ودفءِ الصوتِ من جهةٍ، ومحاولة توعية المستمعين بحقوقهم على جناحِ الأثيرِ من جهةٍ أخرى.

حوار: نسرين حمود
تصوير: فاتشيه أباكليان 

 

علاقةٌ مميَّزةٌ

الإعلامية ريما نجيم

جمعت علاقةٌ مميَّزةٌ بين ريما والإذاعة، عنها تقولُ لـ «سيدتي»: «طالما كانت الإذاعةُ شغفي، وليست عملي، فمن خلال هذه الوسيلةِ الإعلاميةِ، أشعرُ بالحريَّةِ، ولو كانت همومُ الدنيا تُلازمني. حين أواجه الميكروفون، أتحوَّلُ إلى إنسانٍ آخرَ مليءٍ بالطاقةِ والفرحِ والحريَّة». وتضيف: «عملتُ في التلفزيون والإذاعة معاً، لكن مَن ألتقيهم اليوم، يتذكَّرون كلامي عبر الإذاعةِ، وفساتيني في التلفزيون، ما يقودُ إلى خلاصةٍ بأن الإذاعةَ في استطاعتها أن تصنع رأياً عاماً، وأن تُغيِّر في المجتمع، وأن تبني ثقافةً مختلفةً». وتزيد: «كنت أُقدِّر أن كلماتي تُعدُّ فرقاً، وكنت حريصةً على ذلك».

 

"في استطاعة الإذاعة أن تصنع رأياً عاماً وأن تغير في المجتمع وأن تبني ثقافة مختلفة"


اليوم العالمي للإذاعة

الإعلامية ريما نجيم: مستمعو الإذاعة تواقون اليوم للاستماع إلى ما هو مُفيد ومسل ومريح

بعد أن مرَّ أكثر من قرنٍ على البثِّ الأوَّلِ لإذاعةٍ في العالم، يتمحورُ «اليوم العالمي للإذاعة» العامَ الجاري 2024 حول البصمةِ التاريخيةِ للإذاعةِ في مجالات الأنباءِ، والدراما، والموسيقى، والرياضةِ وغيرها، والنفوذِ القوي الذي تُمارسه عليها، إضافةً إلى قيمةِ الإذاعة. في هذا الإطار، تسألُ «سيدتي» نجيم عن «بروفايلات» مستمعي الإذاعة في الوقتِ الراهنِ، لتجيبَ قائلةً: «الغالبيةُ من مستمعي الإذاعة، ليسوا من هواةِ الموسيقى والأغنياتِ الجديدة، فذلك أصبح متوفِّراً عبر موقعِ يوتيوب والمنصَّاتِ الموسيقية، التي يمكنُ للمرءِ أن يختارَ أغنياته المفضَّلة فيها، ويصلها حتى على جهازِ راديو السيارة». وتعتقدُ أن «مستمعي الإذاعة توَّاقون اليوم للاستماعِ إلى ما هو مُفيدٌ ومسلٍّ ومريحٌ، خاصَّةً أن النسبةَ الأكبرَ للإصغاءِ إلى الأثيرِ، تتمثَّلُ في الصباحِ وبعد الظهرِ»، مُعيبةً على أصحاب الإذاعاتِ، ومديري البرامج فيها «توظيف مذيعين قليلي الخبرةِ، أو مجرَّد مهرِّجين على قاعدة: الجمهور عايز كدة! فيما تجربتي تقولُ العكسَ تماماً، فالجمهورُ في زمنِ التواصلِ الاجتماعي، أصبح أكثرَ ذكاءً، بل ويُصدرُ حكماً قاسياً أيضاً، ولن يستمعَ إلى مادةٍ، لا تضيفُ إلى فكره شيئاً. ولا يعني هذا عدم بثِّ مادةٍ مسلِّيةٍ، لكن شريطةَ ألَّا تكون هرطقةً». وتُقرُّ بأن رأيها قاسٍ بعض الشيء، ذلك لأنها عاشت الزمنَ الذهبي للإذاعة، وتفاعلت مع مستمعين من أنحاءِ العالم كافة، فالكلمة مسؤوليةٌ، حسبما أكَّدت.

تحدِّياتُ الإذاعة

كثيرةٌ هي تحدِّياتُ الإذاعةِ في عالمِ الإنترنت والـ «نيو ميديا»، وفي هذا الإطارِ، توضحُ نجيم، أن «فكرة البودكاست الرائجة مستوحاةٌ، أو منبثقةٌ من فكرةِ الإذاعة، إذ بدأ «البودكاست» سماعياً، وتطوَّر ليصبح صوتاً وصورةً، بالتالي يمكننا اعتبارُ أن الإذاعةَ لم تنته، بل تطوَّرت، مع ملاحظةِ أن غالبيةَ استديوهاتِ الإذاعاتِ في العالم العربي، أصبحت تبثُّ الصوتَ والصورةَ، في مواكبةٍ للتقدُّم التكنولوجي. كذلك أصبحت الإذاعاتُ تمتلكُ حساباتٍ على منصَّاتِ التواصلِ المختلفة، وتطبيقاتٍ، وفي إمكان المستمعين متابعتُها ومشاهدتُها عبر الهاتفِ». لكنْ، تُضيء نجيم على أهميةِ الكيفيةِ التي يُنفَّذ بحسبها «البودكاست» من الناحيةِ التقنية، والمادةِ المشوِّقة، وأولاً وأخيراً من ناحيةِ مَن يجلس خلف «الميكروفون»، فعالمُ الإنترنت، أفسحَ المجالَ للجميع، دون استثناءٍ، حتى الذين تنقصهم الموهبةُ والخبرةُ والثقافةُ، ومَن يُعرَفون بـ «المؤثرين»، أو ما شابه!
وتغوصُ الإعلاميةُ، التي حاورت كباراً، في «البودكاست»، وفي تجاربَ كثيرةٍ، أخفقت عندما لم «يُسيِّرها» محترفون، يُدركون حميميةَ الإذاعةِ، وحواراتِها التي تختلفُ بصورةٍ جذريةٍ مُقارنةً بالشاشة. تقولُ: «على جناحِ الأثيرِ، يجدرُ بالمذيع أن ينسى الشاشةَ، وأن يغوصَ في مكانٍ آخرَ. حبَّذا لو نحترمُ ذلك الميكروفون الذي نضعه أمامنا، فهو، أي الميكروفون، صنع كباراً في عالمِ الإعلامِ، وبنى مجتمعاتٍ. كنَّا الأوائلَ في هذا الشرقِ في عالمِ الإذاعةِ».
وفي إطارِ الذكاءِ الاصطناعي، والقدرةِ على التلاعُب في الأصواتِ، تُسجِّل نجيم موقفاً واضحاً، مفادهُ بأنَّ «الاصطناعي يبقى اصطناعياً. عبر الإذاعةِ، لا يتعلَّقُ الأمرُ بالصوتِ حصراً، بل بما يصدرُ عنه، بدواخلِ الإنسانِ، وقيمهِ، وإحساسهِ ومشاعرهِ، وخبرته، لذلك يصلُ الصوتُ عبر الإذاعةِ إلى أذني المستمعِ ومشاعرهِ مباشرةً، وهذا يُسبِّبُ الإدمانَ على بعض الأصواتِ الإذاعيةِ التي تُشعِر المستمعين بالراحةِ. الاصطناعي مهما بلغ، لن يُشعِر المتلقي بشيءٍ».