تقنية «كريسبر» أحدث علاج لتخفيض الكوليسترول الضار

تقنية «كريسبر» أحدث علاج لتخفيض الكوليسترول الضار

أحدثت تقنية «كريسبر» للتعديل الجيني تحولات واسعة النطاق في الطب الحديث، إذ تُعَدّ من أهم التقنيات المكتشفة منذ اكتشاف تقنية تفاعل البوليميريز المتسلسل. ولقد أسهمت هذه التقنية في خفض مستويات كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، وعلاج مرض تصلب الشرايين القلبية الوعائية وهو السبب الرئيس للوفاة على مستوى العالم.
 

تقنية «كريسبر» أحدث علاج لتخفيض الكوليسترول الضار



تغيرات الحمض النووي

 


أوضح الدكتور عبد الرحمن ذياب، استشاري الطب الجزيئي، أن العالم «بروس كونكلين» أستاذ الوراثة في معهد جلادستون في كاليفورنيا، عثر على طريقة جعلته يغيِّر مسار تجاربه وأبحاثه، فقد قام بعدة محاولات لتفسير التغيرات في الحمض النووي DNA على الأمراض المختلفه في البشر، ولكن أدواته كانت بطيئة. وعندما قام بتجاربه على خلايا المرضى، كان صعباً عليه أن يَعلم تحديداً أيّ التسلسلات التي تسبب المرض، وأيّها مجرد خلفية، لا معنى له. وكان تحوير الخلايا البشرية جينياً عملاً مكلفاً ومتعباً.

 


تقنية كريسبر

حدث تغير جذري وكبير لأبحاث «كونكلين» مع ظهور تقنية جديدة في علم الهندسة الوراثية، وهي تقنية «كريسبر» CRISPR، والتي تتيح للباحثين تغيير الحمض النووي DNA لأيّ كائن حي بسرعة فائقة، بما في ذلك البشر، لذا قرر العالم كونكلين التخلي عن أسلوبه السابق لنمذجة الأمراض، وتَبَنَّى أسلوب «كريسبر». فعمل بشغف كبير على تغيير الجينات المتعلقه بأعراض أمراض القلب المتنوعة، ووصف تأثير تقنية «كريسبر» قائلًا: «إنها تقلب كل شيء، رأساً على عقب».
 

الدكتور عبد الرحمن ذياب
الدكتور عبد الرحمن ذياب

 

 

«كريسبر» والقضاء على الأمراض

تتميز تقنية «كريسبر» بأنها سهلة الاستخدام ورخيصة التكلفة، ولهذا السبب اجتاحت مختبَرات العالم، ويأمل العلماء في استخدام هذه التقنية لتعديل جينات البشر، بغرض القضاء على الأمراض، والتخلص من مسبِّبات الأمراض، وإكساب النباتات قوة تحمُّل والكثير من الأهداف الأخرى. ويقول العالم جون شمينتي، عالِم الوراثة في جامعة كورنيل في إيثاكا بنيويورك: «لقد شهدتُ تقنيّتين ثوريّتين منذ عملت في الهندسة الوراثية، هما «كريسبر»، وتفاعل البوليميريز المتسلسل»، إذ تؤثر تقنية «كريسبر» على العديد من علوم الحياة من عدة نواحي، وهي في ذلك تشبه تقنية تفاعل البوليميريز المتسلسل لتضخيم الجينات، التي أحدثت ثورة في الهندسة الوراثية، بعد التوصل إليها في عام 1985. وتتمتع تقنيات التحرير الجيني ومن بينها تقنيات التحرير الجيني بإنزيمات النيوكلياز «كريسبر-كاس» CRISPR – Cas، وأدوات التحرير الجيني القاعدي بتقنية «كريسبر» CRISPR بالقدرة على إجراء تعديلات دائمة في الجينات المسبِّبة للأمراض لدى المرضى، مع إمكانية إجراء تعديلات دائمة في الأعضاء المستهدفة لدى الرئيسيات غير البشرية خطوة مهمة وأساسية، قبل الانتقال إلى إعطاء أدوات التحرير الجيني داخل الجسم الحي في المرضى المشاركين في التجارب الإكلينيكية.

 

جسيمات نانوية

أوضح الباحثون أنَّ أدوات التحرير الجيني القاعدي بتقنية «كريسبر» التي تُعطى داخل الجسم الحي باستخدام جسيمات نانوية دهنية، يمكنها تعديل جينات تُعزى إليها أمراض معينة بكفاءة ودقة في قردة المكاك طويلة الذيل الحية، إذ لاحظ العلماء حدوث تعطيل شبه كامل لبروتين (باسك 9) PCSK 9 في الكبد بعد جرعة تسريب وريدي واحدة لهذه الجسيمات النانوية الدهنية، صاحَبه انخفاض في مستويات بروتين باسك 9 في الدورة الدموية بنسبة 90 %، وانخفاض في كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة في الدورة الدموية بنسبة 60 %. وقد ظلت كل هذه التغييرات ثابتة لمدة ثمانية أشهر على الأقل بعد العلاج بجرعة واحدة.

 

علاج تصلب الشرايين والكوليسترول

تدعم هذه النتائج التي توصل إليها الباحثون منهجية «العلاج لمرة واحدة» لخفض مستويات كوليسترول البروتين الدهني منخفض الكثافة، وعلاج مرض تصلب الشرايين القلبية الوعائية (وهو السبب الرئيس للوفاة على مستوى العالم)، إضافة إلى أنَّها تقدم إثباتاً لمفهوم استخدام أدوات التحرير الجيني القاعدي بتقنية «كريسبر» بطريقة فعاله، لعمل تغييرات محددة على مستوى نيوكليوتيدات مفردة في الجينات المُستهدَف علاجها في الكبد، وربما في أعضاء أخرى أيضاً.

 

إصلاح العيوب الجينية

وكشفت الدراسة أنه يمكن استخدام تقنية كريسبر- كاس 9 لإصلاح العيوب الجينية، كما أنها أداة لعلاج ارتفاع مستويات الكوليسترول في الدم. وأجرى الدراسة باحثون بجامعة ديوك الأميركية، ونشروا نتائجها في العدد الأخير من دورية نيتشر
(الطبيعة) العلمية. والكوليسترول هو مادة شمعية لزجة شبه دهنية، بيضاء اللون موجودة في الدم وجميع أجزاء الجسم، ويحتاجها لتأدية وظائفه. ولكن كثرة الكوليسترول في الدم، أو ارتفاع النوع السيئ منه أكثر مما ينبغي، يمكن أن يؤدي إلى مشكلات صحية خطيرة، إذ إنه يقوم بغلق شرايين الدم ويؤدي إلى الإصابة بأمراض القلب والجلطات. ولقد استعان الباحثون بتقنية كريسبر- كاس 9 لتعديل الجينات، وهي تقنية تعديل جيني ثورية بإمكانها تعديل أي منطقة من مناطق الجينوم لأي نوع من الكائنات بإحكام ودقة عاليتين، من دون الإضرار بغيرها من الجينات. وأوضح الباحثون أن التقنية نجحت في إسكات جين يسمى باسك 9، والذي ينظم مستويات الكوليسترول في الدم، في الوقت الذي يتم فيه حالياً تطوير العديد من الأدوية لعلاج ارتفاع الكوليسترول وأمراض القلب والأوعية الدموية عن طريق منع نشاط هذا الجين.

 

منع توريث الأمراض

ولا تزال التطبيقات الطبية التي تعتمد على تقنية كريسبر- كاس 9 في مراحلها الأولى، والتي تم اكتشافها وتعريفها خلال السنوات القليلة الماضية، وجرت محاولات عدة لاستخدام هذه التقنية لإصلاح العيوب الجينية، ومن هذه المحاولات البحوث التي قامت بها فرق في الصين لإصلاح العيوب الجينية التي تسبب أمراض الدم. ولكن تلك البحوث لم تتمكن من إصلاح الخلايا المصابة كافة، ولذلك كانت الأجنة التي عولجت عبارة عن خليط من الخلايا المريضة والسليمة، كما أدت تلك البحوث إلى حصول طفرات في التسلسل الجيني. وقد استخدم فريق بحث دولي من الولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية هذه التقنية لتعديل جينات لأجنة بشرية بهدف تصحيح طفرة مسببة للأمراض، ما يحول دون انتقال مرض قلبي مميت وتوريثه إلى الأجيال المقبلة. ورأى فريق البحث الدولي أن هذا الإنجاز يفتح الباب لإمكانية منع توريث عشرات الآلاف من الأمراض من جيل إلى جيل مثل سرطان الثدي والتليف الكيسي الذي يصيب العديد من أعضاء الجسم كالرئتين والجهاز الهضمي وغيرها.

تابعي المزيد: أطعمة غنية بالمغنيسيوم خصيصاً لمرضى القولون العصبي