الشباب والفنون.. حفظ الإرث وتحديثه ونقله إلى الأجيال الجديدة

الشباب والفنون.. حفظ الإرث وتحديثه ونقله إلى الأجيال الجديدة
الشباب والفنون.. حفظ الإرث وتحديثه ونقله إلى الأجيال الجديدة

الشابات والشباب زينة أوطانهم، يواكبون كل جديد، وينخرطون فيه، ويروجون له. في جانب الفنون، هم بعد «هضم» التجارب الكلاسيكية، قادرون على حفظ الإرث، مهما تمسكوا بالحداثة مدرسة. في الملف الأسبوعي، إضاءة على تجارب شبابية في إحياء الإرث وتجديده.

أشرفت على التحقيق وشاركت فيه | نسرين حمود Nisrine Hammoud
بيروت | عفت شهاب الدين Ifate Shehabdine وماغي شمّا Maguy Chamma
تصوير| محمد رحمة Mohamad Rahme
الرياض | زكية البلوشي Zakiah Albalushi
الرباط | سميرة مغداد Samira Maghdad


يُلاحظ المتتبع للشأن الثقافي أن غالبية الاستعادات في مجال الفن التشكيلي يقف خلفها قيمون فنيون شباب، والشباب أيضاً يجددون في المسرح، كما يعيدون تقديم النصوص الكلاسيكية بروح جديدة، أو هم يجسدون على الخشبة ما يجول في خواطرهم. وفي مجال الموسيقى، هم يدمجون بين ما تركه السلف بالإيقاعات الغربية أو حتى يغنوا أم كلثوم بحسب طرقهم الخاصة.
في ميادين المسرح والرسم والغناء الرقص، يتوزع ضيوف «سيدتي» الشباب الذين يقولون كلماتهم «المنطقية» عن تجديد الفنون.


الشباب والمسرح

دنيا العنزي


المسرح فن ضاربة جذوره في التاريخ؛ إذ يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، في اليونان، وهو لا يزال حيّاً من خلال تجارب معاصرة، أو أخرى تحيي الكلاسيكية، من خلال شباب وشابات مؤمنين بدور الفن في تثقيف الناس، وتسليط الضوء على قصصهم. في هذا الإطار، تتحدث دنيا العنزي، ممثلة سعودية، لـ«سيدتي» عن تجربتها المسرحية، فتقول: «أحبّ المسرح، ولشدة تعلّقي به، شاركت في أعمال كثيرة، وتعلمت أموراً جديدة من المخرجين المسرحيين، ولم أزل تواقة للتعلّم وكسب الخبرة وتقديم أعمال مميزة، وأتمنى أن يصبح المسرح قريباً الرقم واحد بين الفنون في السعودية»، مشيرة إلى أن «تناول قصص الشباب والشابات بطريقة طريفة في المسرح جميل، لكن نحتاج بوصفنا مسرحيين إلى دعم أكبر، وتوفير أماكن لإجراء البروفات وتقديم العروض، إلى جانب رفع أجورنا بصفتنا فنانات».
وتتطرّق إلى مدى انتشار المسرح الشبابي، موضحةً في هذا الجانب أن «فرصاً جيدةً، تنتظر الشباب في المسرح اليوم، كما أن الإعلام يسلّط الضوء على أعمالهم»، متمنيةً الاستمرار في دعمهم، وزيادة الفرص أمامهم؛ حتى يستمروا في تقديم إبداعاتهم. وتفيد أن أعداد الشباب والشابات في المسرح قليلة، لذا من الضروري التوسع في تعليم هذا الفن، خصوصاً أنه صعب للغاية، مشيرة إلى أن للمسرح أساسيات أكاديمية وعملية، على الممثل التعرف إليها والتعمق بها والعمل وفقها.


دراسة أكاديمية


تتمنى الشابة أن يصبح في السعودية معهد تمثيل أو مسرح متخصص، أو دراسة فن المسرح ضمن تخصّصات الجامعة. تقول، في السياق: «دراسة فن المسرح يُمكّن الشاب والشابة من الاطلاع على كثير من الثقافات، والتعرّف إلى مختلف العلوم، في مقدمتها علم النفس والتربية والآداب والسياسة، بالتالي تخطي تحديات كثيرة قد تقف في وجه تقدّم الفنان والفنانة، وتعزيز وتطوير قدراته المسرحية، وإثراء تجربته». وتضيف أن «المتخصّص في المسرح يستطيع أن يبني حبكة كاملة من موقف حصل مع شخصٍ ما، وتقديم عملٍ تام الأركان»، متيقنة أن من يعطي المسرح من جهده ويتقن معايير النجاح فيه تجد نتيجة عمله انتشاراً كبيراً، فالمسرح بحر لا حدود له، خصوصاً لمن يتعمّق به.
عن المسرح السعودي، تقول إنه «يحتاج إلى أن يتطور، مع توفير فرصٍ أكثر للشباب والشابات، مقارنةً بالوضع الحالي. كذلك، يجب على مَن يدخل المسرح أن يكون ملماً به عبر الدراسة أو الدورات المتخصّصة»، مبينةً أن «هيئة المسرح التي تتعاون مع وزارة الثقافة وهيئة الترفيه لدعم الأعمال المسرحية تبذل جهوداً كبيرةً في هذا الجانب».

بين التكنولوجيا والفن التشكيلي

 

داليا خضر

تلفت الرسامة داليا خضر إلى أن التكنولوجيا وسّعت آفاق التعبير الفني من خلال توفير أدوات وتقنيات ووسائل جديدة. يمكن للفنانين راهناً، الوصول إلى البرامج الرقمية والواقع الافتراضي والطباعة ثلاثية الأبعاد والتقنيات الأخرى التي توفر إمكانات إبداعية لا حدود لها؛ ما يضمن حماية التراث الفني، وإمكانية الوصول إليه من الأجيال القادمة.


تآزر حتمي بين التكنولوجيا والفن


من المسرح إلى الرسم، وتحديداً «الديجتال الآرت» الذي يعتقد ممتهنوه أنه يمثّل تطوّراً تلقائيّاً لفن التشكيل. في هذا الإطار، تُعرّف داليا خضر، رسّامة ديجتال ومصمّمة شخصيات، الرسم الرقمي بأنه شكل من أشكال الفن، يستخدم فيه الفنانون الأدوات والبرامج والتقنيات الرقمية لإنشاء لوحات على قماش رقمي. بحسب الفنانة الشابة، اكتسبت اللوحة الرقمية شعبية لإمكانية الوصول إليها، وتعدّد استخداماتها، والقدرة على الاندماج بالوسائط الرقمية الأخرى، كما أثّر الفن الرقمي في العموم، بشكل كبير، في حياتنا؛ لأنه أكثر سهولة وشمولاً.
تؤمن داليا بالتآزر الحتمي بين التكنولوجيا والفن، بعيداً من النقاشات عن التأثير السلبي في مقابل الإيجابي. تقول: «على الناس تعلّم قبول التطوّرات العالمية، والسماح للفن بالتكيّف مع نمط حياتهم الجديد»، مضيفة أن «الأجهزة التكنولوجية تجعل الابتكار الفني يتحقق بصورة أسرع والتعبير البشري الفني الحرّ مستمراً؛ ما يضمن التطوير المستمر في تاريخ البشرية والفن».
وتزيد أن «الفنون لا تموت وهي موجودة في كل الأزمنة ومع كل الأجيال، على الرغم من سيطرة التكنولوجيا على الجزء الأكبر منها»، موضحة أن «الرسم الرقمي والواقع الافتراضي ليسا سوى مثالين على الوسائط الجديدة المتاحة من خلال التكنولوجيا التي أحدثت ثورة. باستخدام التكنولوجيا، يمكن للفنانين التعاون عن بُعد، وتبادل الأفكار والعمل على مشاريع مشتركة، بعيداً من قيود الحدود الجغرافية. كما أن التكنولوجيا حوّلت كيفية تفاعل الجمهور مع الفن من خلال مشاريع تفاعلية وتجارب الواقع الافتراضي والتطبيقات؛ ما يسمح للمشاهدين التأثير في العمل الفني نفسه».

داليا خضر: على الناس تعلّم قبول التطوّرات العالمية، والسماح للفن بالتكيّف مع نمط حياتهم الجديد


الذكاء الاصطناعي


بحسب الفنانة الشابة، ربما هناك تأثيرات سلبية في عالم الفن التقليدي مع ظهور الأعمال الفنية بالذكاء الاصطناعي، التي تعتريها مشكلات متعلّقة بحقوق النشر، بما في ذلك التعدي على حق المؤلف، والقرصنة الرقمية، ومخاوف الخصوصية، وتأثير التكنولوجيا في أصالة العمل الفني. لكن، على الرغم من التقدّم التكنولوجي وصعود الذكاء الاصطناعي، لن يتلاشى الفن والتعبير البشري، فهو متجذّر بعمق في إنسانيتنا، ويمثّل عواطفنا ووجهات نظرنا وتجاربنا الفريدة. إنه بمنزلة شكل قوي من التواصل، ووسيلة لاستكشاف وفهم العالم من حولنا. في حين أن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يمكن أن يحسّنا العمليات الفنية، ويُقدّما أدوات جديدة، إلا أنها لا تستطيع تكرار العمق والأصالة والحدس الإبداعي الذي يمتلكه البشر. التعبير الفني هو انعكاس لفرادتنا وجوهر إنسانيتنا؛ ما يضمن استمرارها في الازدهار والتطوّر إلى جانب التطوّرات التكنولوجية.
يمكنك الاطلاع على شابات اليوم: هذه الحرف التقليدية التي نهواها

 

نظرة نقدية إلى المسرح في السعودية


عن إسهامات الشباب في المسرح السعودي ودورهم في تجديد أساليبه، يتحدث نايف البقمي، مخرج وناقد مسرحي، لـ«سيدتي»، قائلاً: «لدى الشباب المسرحي السعودي شغف كبير بالمسرح، فهناك عدد كبير من الشباب الذين يبدعون في التمثيل؛ إذ نعيش طفرةً في هذا الجانب بالسعودية، لكن يجب على هؤلاء الفنانين إكمال مسيرة الرعيل الأول، ولن يحدث ذلك إلا من خلال إطلاق كيانات مسرحية في مناطق البلاد كافة تتمثّل في الفرق المسرحية». ويضيف أن «لا نظام خاصّاً بالفرق المسرحية في السعودية، كما أن الفرق التي كانت تُزاول العمل في السابق صارت معطلةً تماماً اليوم جراء انتهاء التصاريح التي كانت ممنوحةً لها وعدم وجود نظام لتجديدها». وعن سبب التركيز على الفرق المسرحية، يوضّح البقمي: «أركز على الفرق؛ لأنها بمنزلة حواضن مسرحية للشباب، وتسهم في تقديم ورش مسرحية ودورات متخصّصة وتقوم بإنتاج أعمال منوعة. من هنا، يأتي التغيير والتطوير المستمر بإبداع أعمال مختلفة وذات أساليب مسرحية متجددة، فكل فرقة تريد أن تتقدم وتنتشر من خلال ما تعرضه من أعمال، لذا لا يمكن لهؤلاء الشباب وحدهم أن يقدموا أساليب مبتكرة في المسرحيات، فهم يحتاجون إلى فرق مسرحية تحتضنهم في كل منطقة بالبلاد».
ويتطرّق البقمي إلى الدعم الحكومي للمسرح، قائلاً: «نشهد في الوقت الراهن دعماً حكوميّاً منقطع النظير، لكن الأخير يستهدف مشروعات وقتية سرعان ما ينتهي أثرها، مثل: الملاحم والأعمال الأوبرالية. هذا الدعم، يجب أن يُقدّم إلى الفرق المسرحية؛ إذ سيسهم ذلك في إحداث حراك كبير في المسرح السعودي على مدار العام، وفي كل مناطق البلاد، وسنرى ورش أعمال وفعاليات مسرحية منوعة، بالتالي تسليط الضوء على مواهب جديدة ومبدعة في كل المجالات، من إخراج وتمثيل ونقد وحتى الكادر الفني».
ويُثني المخرج والناقد على «هيئة المسرح» التي تبذل جهداً كبيراً، وتقوم بدعم مشروعات مهمة، لكنه يأسف من حال تبني شركات هدفها الربح حصراً هذه المشروعات، حتى أن غالبية مَن ينتمون إلى الشركات، لا يعرفون شيئاً عن المسرح، وهذا لن يخلق حالةً ثقافيةً متقدمةً أو يسهم في استمرارية البناء المسرحي بالبلاد».


مستقبل التعبير الفني للأجيال القادمة

منار علي حسن


تتابع منار علي حسن، فنانة متعددة التخصصات، من حيث انتهت زميلتها داليا خضر، لتؤكد أن «الفن الرقمي يساهم بشكل كبير في الحفاظ على الفنون الجميلة، وتوسيعها، وتعزيز التبادل الثقافي، فالمنصات عبر الإنترنت والمعارض الافتراضية حطّمتا الحواجز الجغرافية؛ ما سمح للجمهور العالمي بالتفاعل بشكل كبير». وتضيف أن «قواعد بيانات الفن الرقمي مساعدة في تنظيم المجموعات الفنية وتوثيقها، إضافة إلى توفير الموارد للقيّمين والمؤرّخين والباحثين لدراسة التطوّر الفني والسياق التاريخي. كما يعزّز العالم الرقمي التعاون وبناء المجتمع بين الفنانين؛ ما يلهمهم الابتكار والتجربة والتواصل من خلال المنتديات عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والمجتمعات الفنية الافتراضية، فهذا الخطاب الفني الديناميكي يدفع الأجيال الشابة إلى الانخراط في المشهد الفني المتطوّر».
وتعلي الفنانة من شأن المنصات الرقمية التي توفّر فرصاً للفنانين لمشاركة عملياتهم الإبداعية ودروسهم وورش عملهم؛ ما يعود بالفائدة على الفنانين الطموحين، ويحافظ على المعرفة الفنية، إضافة إلى فرص التعلّم التي يمكن الوصول إليها في مجتمع فني أكثر تنوّعاً وشمولية.
بحسب الفنانة، تفتح تقنيات الواقع المعزّز Augmented reality والواقع الافتراضي virtual reality آفاقاً واسعة للتعبير الفني؛ ما يخلق تجارب فنية غامرة تمزج بين العالمين الرقمي والمادي، كما يعزّز هذا التقارب تجربة مشاهدة الفن التقليدية، ويأسر الجماهير في لقاءات تفاعلية مع العمل الفني. ومما لا شكّ فيه أن الرموز غير القابلة للاستبدال NFT القائمة على تقنية «البلوكشين» Blockchain أحدثت ثورة في سوق الفن الرقمية لمشاركة الأعمال بشكل شفّاف؛ ذلك لأنها وفّرت للفنانين طرقاً فريدة لبيع أعمالهم الفنية الرقمية وحمايتها، مع الحفاظ على البيئة من خلال الاعتماد المنخفض على الموارد المادية من النفايات وانبعاثات الكربون؛ الأمر الذي يعزّز الاستدامة في عالم الفن». لذا، تؤكد منار أن «الفن الرقمي يحافظ على حركات الفن المعاصر، ويلتقط جوهر التغييرات الثقافية والمجتمعية. ويضمن هذا التوثيق الحفاظ على التعبيرات الفنية الحالية للأجيال القادمة؛ ما يوفّر نظرة ثاقبة للمشهد الفني المتطوّر».
وتختم أن «الفن الرقمي يقوم بدور محوري في الحفاظ على الفنون الجميلة، وتوسيعها، وتسهيل الوصول إليها، كما أن الحفاظ على الأعمال الفنية التاريخية واستكشاف التقنيات الجديدة يثريان مجتمع الفن العالمي. ومع استمرار تقدّم التكنولوجيا، سيشكّل تأثير الفن الرقمي في الفنون الجميلة مستقبل التعبير الفني للأجيال القادمة».

 

 

حمزة أمزكر: الفن هو الطريق الوحيد للشباب للتعبير عن معاشهم ومشكلاتهم في الواقع


الدبكة تاريخ عريق


تأسست الدبكة في الشرق الأوسط (لبنان وسوريا وفلسطين والعراق والأردن وجزء من شمالي المملكة العربية السعودية). وفي هذا الإطار، يتحدث خالد النابوش، مؤسس «فرقة المجد البعلبكية»، لـ «سيدتي»، عن أصالة الدبكة وتاريخها العريق، فيشرح قائلاً إنه «عند بناء البيوت الطينية، بالتشارك بين المعماريين وأهالي أي قرية واقعة في الجغرافيا المذكورة آنفاً، هم كانوا يتساندون عند رص التراب لرفع الأبنية. أثناء أداء هذه الحركة، كانوا يغنون، من هنا بدأ ظهور مفهوم الدبكة. مع المعارك والحروب، أصبحت الدبكة لأهالي هذه المناطق صنو الرجولة في الحروب، كما تُعبر عن جزء من فرحتهم بعد انتهاء المعارك». ويضيف أن «للدبكة رمزية كبيرة؛ إذ تشير إلى التعلق بالوطن، وفيها عنفوان كبير، خصوصاً عند خبط الأرض بالأقدام؛ ما يثبت الوجود مع رفع الرؤوس وشدّ الصدور وفرد الأكتاف»، لافتاً إلى أن «هناك العديد من صفات الشموخ والعزة والأمجاد والماضي تبينها الدبكة».
لا تزال الدبكة قائمة، ومحافظة على أصالتها، وهي تتغنى بالوطن، علماً أن راقصي الدبكة يعكسون مدى تعلقهم بالوطن من خلال حركات أجسادهم.
وعن مستقبل الدبكة، يقول النابوش إن «العالم يتطور بسرعة، لذا هناك مسؤولية كبيرة وخوف على تقاليدنا وثقافتنا»، داعياً إلى الحفاظ على فن الدبكة الأصيل.
وعن الاختلافات في الدبكة بين الجغرافيات المختلفة، يفضل النابوش الحديث عن العناصر المشتركة، «بدايةً، من اصطفاف، وشبك الأيدي، وتساند الأكتاف، وإعلاء الرؤوس، وخبط الأرض بالأقدام. أما الاختلاف فيتعلّق بأداء الحركات وسرعتها، علماً أن الإيقاعات الموسيقية تتجزأ وتختلف بين البطيء والسريع، ولكل منها معان، إضافة إلى تنوع أزياء الدبكة بين البلدان. مثلاً: يرتدي راقصو الدبكة الأردنية الثوب الأردني الأسود مع الشماغ الأحمر والأبيض والعقال وصف الخرطوش، أما راقصو الدبكة اللبنانيون يلبسون الشروال والقميص والكوفية على الرأس أو القمباز، وهو ثوب طويل يعلق بالشروال ويأتي فوقه زنار، فضلاً عن أن ارتجالات راقصي الدبكة تعطي صبغة جذابة وهوية للبلد».
لجذب جيل الشباب لمزاولة ومشاهدة الدبكة، يتحدث عن مسؤولية القطاعين الخاص والعام ووزارات الثقافة. الدبكة يجب أن تتوارث بين الأجيال، من خلال نشر الوعي وثقافة الدبكة العريقة بواسطة خطط مدروسة، وكذلك من خلال المهرجانات والحفلات التي تجذب الشباب لمشاهدة الدبكة بطريقة غير مباشرة، إضافة إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في جذب جيل الشباب للتعرف إلى هذا الفن العريق.

الدبكة والرقص المعاصر

بين الدبكة والرقص المعاصر، يوضح خالد النابوش أن «هناك اختلافات واضحة، لكن الجمالية تكمن في مزيج الفنين ببعضهما البعض»، ضارباً المثال الآتي: «إذا درس شاب الرقص المعاصر، وأدى الدبكة، ستكون حركاته مهذبة وجسده يتحرك في الزوايا الصحيحة». من هنا، يشجع مؤسس «فرقة المجد البعلبكية» على الدمج الصحيح بين الدبكة والرقص المعاصر؛ أي الحفاظ على الدبكة وأصالتها، وتطعيمها بلغة جسد حديثة ومهذبة؛ ما يحافظ على جمالية أداء الشاب(ة) الذي يستعرض الدبكة، مشيراً إلى أنه لا يمكن الرقص المعاصر بملابس الدبكة، وإلا أصبح الأمر يسمّى «اجتهاداً شخصياً».
يمكنك الاطلاع أيضاً على الشعر العربي بين التجارب الحديثة والمبادرات الحكومية لتعزيز مكانته

 

 

 

فن العيطة

د. نسيم حداد


ينتشر فن العيطة، وهو تراث بدوي، في عدد من مناطق المغرب، ويقوم على ترديد النساء أغنيات وأهازيج تتغنى بالحب وتفاصيل الحياة اليومية. في الرباط، عشق الدكتور نسيم حداد التراث الغنائي الشعبي العريق، وبحث فيه كثيراً وتغنى به، بالتزامن مع دراسته للفيزياء النووية.
يقول د. حدّاد، وهو مقدم برنامج سهرات فنية على التلفزيون المغربي، لـ«سيدتي»: «بحثي في التراث الموسيقي وفن العيطة، جاء بدافع مني في سن الشباب، بعد أن تعرفت إلى النمط الموسيقي العريق منذ الصغر، وافتُتنت بمواويله ورموزه وأصالته، فأخذت على عاتقي مهمة البحث عن كل الأغاني والمرددات الشعبية التي تعكس ثقافة ونمط عيش حافل بقيم إنسانية قد يشترك فيها كل المغاربة والعرب عامة».
ويضيف أن «اقتصار الفن على منطقة محصورة لم يجعله يصل إلى فئات عريضة من الناس. لذا، أسست فرقتي بعد أن جمعت أغاني وأشعاراً قديمة وغنيتها بأسلوب شبابي، من دون المس بأصولها. في المرحلة الأولى، كان التنقيب والترميم، ليأتي دور التسجيل والتوثيق مع اعتماد الأساليب الأحدث في التسجيل الصوتي والمرئي لمنح هذه الأغاني صبغة حديثة قادرة على مجابهة التيارات الفنية الخارجية، وتمكين الجمهور من كلمات الأغاني؛ ما يساهم بشكل كبير في إيصال التراث وإحيائه».
كان أسس د. حدّاد فرقة تضم عازفين مهرة، مع تدريبهم على مدار ثلاثة أعوام، كما الاشتغال على طريقة اللباس التي يجب أن تواكب روح الحداثة، بحسب كلماته.
وعمل مع شركة مغربية سعودية لتقديم نصوص العيطة، نصّياً من خلال كتاب موسوعة العيطة، ومرئياً من خلال تصوير سهرة تضم مجموعة من «العيوط» المختلفة في الجزء الأول من المشروع. تطلّب العمل من الباحث 15 عاماً من التنقيب والتوزيع والتسجيل، مع اختيار التقنيات الأحدث في الصوت والصورة؛ ما جذب الشباب إلى هذا التراث الذي أضحى اليوم يحظى بمكانته الطبيعية.
من جهة أخرى، يلفت د. حداد إلى أن «فكرة برنامج «جماعتنا زينة» عبارة عن منصة يتم من خلالها إحياء وإعادة الاعتبار للتراث الفني اللامادي المغربي، ففي كل حلقة نحاول الاشتغال على تراث مغربي معين. والبرنامج ينال ثقة الجمهور، لا سيما الشباب». يقول: «هناك إضافات متعددة ومتشعبة في الاشتغال على الموسيقى التراثية التقليدية، مع مراعاة العمل بشكل دقيق ومحكم وعلمي؛ إذ تخضع غالبية الأغاني التراثية للتلقائية والإيقاع المفتوح، فيما نعمل على ضبط أكثر لميزان الموسيقى العالمية لتكون البنية الموسيقية متكاملة، كما نعتمد على فكر تسويقي حديث كان يغيب تماماً على الفكر التقليدي، وهو ما جعل التراث محدوداً ولا يدخل ضمن ما يُسمّى اليوم «الصناعة الموسيقية».

الدكتور نسيم حداد: بحثي في التراث الموسيقي وفن العيطة جاء بدافع مني بعد أن تعرفت إلى النمط الموسيقي العريق

 

عشق الموسيقى

 

حمزة أمزكر


حمزة أمزكر، فنان عشق الموسيقى ودرسها، وقرر مع مجموعة من الشباب الموهوبين تأسيس «الأوركسترا متعددة التخصصات للمغرب» التي بدأت تشتهر بثبات وتحيي حفلات منوعة، كما «جمعية ميوزيلاند». تستلهم الفرقة من الموسيقى الأصيلة القديمة وتضعها في قالب عصري جذاب يعزز الانتماء والهوية، مع طموح وتطلع لإمتاع الجمهور، وإيصال رسائل محبة وفخر بالتراث المغربي والعربي ليكون جسراً ممتداً إلى كل الأجيال المقبلة.
يقول أمزكر لـ«سيدتي» إنه «يحاول مع شباب آخرين الإبقاء على التراث الموسيقى المغربي والعربي بصفة عامة حيّاً وحاضراً، من خلال حفلات نقدّم فيها كل مرة برنامجاً موسيقيّاً مختلفاً وغنيّاً، كما نحاول أن نبرز مدى قوة وأهمية هاته الموسيقى ونتشاركها مع الجيل الجديد. بذا، نهدف إلى المساهمة في تطوير الثقافة الموسيقية، ونعطي الفرصة للجيل القديم بأن يعيش لحظات مليئة بالحنين والذكريات إلى الأيام الجميلة التي تزخر بموسيقى وطرب عريقين تغنى بها الرواد».
يرى الفنان الشاب أن «الفن هو الطريق الوحيد للشباب للتعبير عن معاشهم ومشكلاتهم في الواقع، وهو كذلك طريقة للهروب من الأخير نوعاً ما، والولوج إلى عالم من دون قيود أو عراقيل، فالفن يعطي المشتغل فيه عالماً خياليّاً نقيّاً ليغوص في أعماقه».


ويمكنكم أيضاً المشاهدة بالفيديو.. حمزة نمرة وخطوات موسيقية نحو الغناء المختلف