في عالمٍ كثير التطور، لا تزال هناك ظواهر مؤلمة تسلب الإنسان حقه في الأمان والاحترام، ومن أبرزها "التنمر". هذه الظاهرة ليست مجرد سلوك عدواني عابر، بل هي جرح نفسي قد يترك آثاره لسنوات طويلة، خاصة إذا حدث في مراحل الطفولة أو المراهقة.
ومع تطور وسائل التكنولوجيا، لم يعد التنمر يقتصر على المدارس أو الأماكن العامة، بل تسلل إلى الشاشات والهواتف تحت اسم "التنمر الإلكتروني"، ليصبح أكثر خبثاً وخطورة.
"سيّدتي" التقت الاختصاصية في علم النفس أزنيف بولاطيان، التي تحدثت عن أنواع التنمر، تأثيراته النفسية العميقة، ومخاطره الجديدة في العصر الرقمي. بالإضافة إلى كيفية حماية النفس والآخرين من هذا السلوك المؤذي.

ما هو التنمر؟
التنمر هو سلوك عدواني متكرر يهدف إلى إيذاء شخص آخر نفسياً أو جسدياً أو اجتماعياً. وغالباً ما يحدث في سياق عدم توازن في القوة، حيث يستخدم المتنمر قوته الجسدية أو الاجتماعية أو النفسية للسيطرة على الطرف الآخر أو التقليل من شأنه.
أشكال التنمر
للتنمر أشكال متعددة، وهي على النحو الآتي:
- التنمر الجسدي: مثل الضرب، الدفع والتهديد بالإيذاء.
- التنمر اللفظي: كالسخرية، الشتائم، النعوت الجارحة والتعليقات العنصرية أو الجندرية.
- التنمر الاجتماعي: نشر الشائعات، العزل المتعمد من المجموعات وتدمير العلاقات.
- التنمر النفسي: الإذلال، التهديد، التحكم بالمشاعر والتجاهل المتعمد.
التنمر الإلكتروني
التنمر الإلكتروني Cyberbullying هو نوع من التنمر يحدث عبر الإنترنت، من خلال الرسائل النصية، وسائل التواصل الاجتماعي، الألعاب الإلكترونية، البريد الإلكتروني، أو أي وسيلة رقمية. ويأخذ أشكالاً عديدة منها:
- إرسال رسائل مؤذية أو تهديدية.
- نشر صور أو معلومات خاصة دون إذن.
- إنشاء حسابات وهمية للسخرية من شخص معين.
- نشر شائعات أو أخبار كاذبة بهدف التشويه.
- تجاهل شخص عمداً في المحادثات الجماعية.
إن خطورة التنمر الإلكتروني تكمن في أنه يمكن أن يحدث في أي وقت، دون حدود مكانية أو زمنية، وغالباً ما يكون المتنمر متخفياً خلف شاشة، مما يُصعِّب المواجهة والمحاسبة.
قد تهمك قراءة تأثير الصحة النفسية والعقلية في صحة الجسم لا يُصدَّق.. اختصاصية تشرح
التأثيرات النفسية للتنمر
التنمر ليس مجرد تجربة مؤلمة؛ إنه صدمة نفسية متكررة قد تتحول إلى جرح داخلي دائم إذا لم يُعالج. وفي ما يلي أهم الآثار النفسية التي قد يعاني منها الضحية:
انخفاض تقدير الذات
يتسبب التنمر في شعور الضحية بأنه غير محبوب، مما يؤدي إلى فقدان الثقة بالنفس وتبني صورة سلبية عن الذات.
القلق والاكتئاب
الضحية قد تعيش في حالة دائمة من التوتر والقلق، وتُصاب بنوبات بكاء، انسحاب اجتماعي، فقدان الرغبة في الحياة، أو حتى أفكار انتحارية.
اضطرابات النوم
قد يعاني المُتَنَمر عليه من كوابيس، أرق، أو خوف من الذهاب إلى المدرسة أو استخدام الإنترنت.
ضعف الأداء الدراسي أو المهني
نتيجة للضغط النفسي، قد يتراجع مستوى التحصيل الدراسي أو الأداء في العمل، ويصبح الشخص غير قادر على التركيز أو الإبداع.
الانعزال الاجتماعي
يبدأ الضحية في تجنّب الاختلاط بالآخرين، خوفاً من التعرض للسخرية أو الأذى، ما يزيد من مشاعر الوحدة والانفصال.
كيف نتعامل مع التنمر؟
بالنسبة للضحايا
- لا تصمت. تحدث مع شخص تثق به: أحد الوالدين، صديق، أو اختصاصي نفسي.
- لا ترد بالعنف. هذا قد يزيد الأمر سوءاً.
- احفظ الأدلة (في حالة التنمر الإلكتروني).
- اطلب الدعم المهني إذا لاحظت أن الأمر يؤثر على حالتك النفسية.
بالنسبة للوالدين والمربين
- راقب أي تغييرات مفاجئة في سلوك الأبناء.
- شجعهم على التعبير عن مشاعرهم دون خوف.
- علّمهم كيفية استخدام الإنترنت بأمان.
- توجّه للحصول على مساعدة نفسية عند الحاجة.
بالنسبة للمجتمع
- من الضروري نشر التوعية حول خطورة التنمر.
- إدراج برامج مواجهة التنمر في المدارس.
- سنّ قوانين تجرّم التنمر، خصوصاً الإلكتروني منه.
هل يؤثر التنمر على الصحة النفسية في المدى البعيد؟

نعم. تُشير الدراسات النفسية إلى أن الأشخاص الذين تعرضوا للتنمر في طفولتهم معرضون بدرجة أكبر للإصابة بالاكتئاب، اضطرابات القلق، وصعوبات العلاقات في سن البلوغ.
كما يمكن أن يتسبب التنمر في ترسيخ أفكار سلبية حول الذات والحياة، ما قد يحتاج سنوات من العلاج النفسي لتجاوزه.
التنمر: خلاصة
التنمر ليس مجرد "مزحة ثقيلة" أو "موقف عابر" كما يحاول البعض تبريره. إنه اعتداء على كرامة الإنسان ومصدر ألم نفسي عميق. لذلك من المهم أن نتعامل معه بجدية، سواء كأفراد، أو آباء، أو مختصين نفسيين، أو صناع قرار.
كل كلمة نكتبها أو نقولها قد تبني أو تهِّدم. فليكن حضورنا في حياة الآخرين مصدر أمان لا مصدر أذى.
*ملاحظة من "سيّدتي" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.