الزواج هو إحدى أعمق الروابط الإنسانية وأكثرها تعقيداً، وهو يجمع بين شخصين لاختبار رحلة الحياة بكل تقلباتها. لكن بمرور الوقت، قد يتسلل الملل إلى العلاقة الزوجية، مهدداً التماسك العاطفي والأسري. هل هو أمر طبيعي؟ ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن تجاوزه دون أن يتحول إلى فتور مزمن، يؤدي إلى عواقب وخيمة على الأولاد ويهدد الحياة الزوجية؟
اختصاصية علم النفس أزنيف بولاديان، تجيب في الموضوع الآتي عن هذه الأسئلة، وتقدم الحلول.

هل الملل بين الزوجين أمر طبيعي؟
نعم، إلى حدٍّ ما، يُعتبر الملل مرحلة طبيعية في العلاقات طويلة الأمد، خاصةً بعد مرور سنوات على الزواج. ذلك لأن الإنسان بطبعه يبحث عن التحفيز والتجديد، وحين تدخل العلاقة الزوجية في نمط متكرر ومألوف دون تطوير، يظهر ما يُسمّى بـ"الملل العاطفي" أو "الركود العاطفي".
هذا لا يعني أن العلاقة محكوم عليها بالفشل، بل إن إدراك هذا الأمر مبكراً والتعامل معه بوعي، يمكن أن يجعل العلاقة أكثر عمقاً واستقراراً.
ما أسباب الملل بين الزوجين؟

تعود أسباب الملل بين الزوجين إلى:
- الروتين اليومي والرتابة: يتكرر الجدول اليومي نفسه بين العمل، الأطفال، والمهام المنزلية، ما يجعل العلاقة تخلو من الإثارة والمفاجآت.
- قلة التواصل الحقيقي: الحديث يقتصر على الأمور الإدارية: من دفع الفواتير إلى جدول الأبناء. يقل الحديث عن الأحلام، المشاعر، والطموحات، ما يخلق مسافة بين الطرفين.
- غياب التقدير والاهتمام: عندما يشعر أحد الطرفين أنه غير مرئي أو أن وجوده مفروغ منه، ينخفض الحماس والارتباط العاطفي.
- الضغوط الاقتصادية أو العائلية: الضغوط تقلل من المساحة العاطفية والطاقة المتاحة لبناء علاقة صحية، مما يؤدي إلى إهمال العلاقة الزوجية.
- التوقعات غير الواقعية: يدخل بعض الأزواج الحياة الزوجية بتوقعات مثالية لا تشبه الواقع، ومع مرور الزمن يشعرون بالإحباط.
- عدم وجود اهتمامات مشتركة: عدم مشاركة الهوايات أو الأنشطة قد يؤدي إلى تباعد وجداني بين الزوجين.
قد يهم الإطلاع على أهم الأدوات لتعزيز الصحة النفسية والبدنية برأي اختصاصية علم نفس
ما هي تبعات الملل على تماسك العائلة؟
الملل، إذا تُرك دون معالجة، يمكن أن يؤدي إلى:
-
فتور عاطفي وجسدي بين الزوجين.
-
نشوء علاقات خارجية بحثأً عن التقدير المفقود.
-
زيادة التوتر داخل المنزل، مما يؤثر على صحة الأطفال النفسية وعلى تحصيلهم العلمي.
-
الانسحاب النفسي والتعايش البارد.
-
انهيار التواصل وتحول العلاقة إلى علاقة شراكة مادية فقط.
-
ارتفاع احتمالية الطلاق كحل للهروب من الشعور بالفراغ والجمود.
قد تهمك قراءة هذا الموضوع كيف تقلّلين الضغط اليومي وتحمين صحتكِ كامرأة؟ اختصاصية تفيدكِ
كيف يمكن إنقاذ العلاقة الزوجية من الملل؟
بعض الخطوات يمكنها إنقاذ العلاقة الزوجية من الملل، مثل:
-
إعادة إحياء التواصل العاطفي: التحدث بصدق عن المشاعر، الأحلام، والمخاوف يعيد دفء العلاقة. تخصيص وقت للحوار دون مقاطعات.
-
تجديد العلاقة من خلال النشاطات المشتركة: سافرا معاً، جربا هوايات جديدة، شاهدا فيلماً، اطبخا سوياً.. المهم هو كسر الروتين.
-
ممارسة الامتنان اليومي: تقدير الشريك يومياً بكلمات بسيطة أو أفعال يعزز الشعور بالأمان والاهتمام.
-
الاستثمار في العلاقة الحميمة: العلاقة الحميمة لا يجب أن تكون آلية، بل عاطفية ومتنوعة. التحدث بصراحة عن الاحتياجات دون خجل أساسي.
-
اللجوء إلى جلسات استشارية أو علاجية: المعالج النفسي يمكن أن يساعد في فتح قنوات التواصل وإعادة التوازن للعلاقة.
التغيير الفردي أولاً: قبل أن نطلب من الآخر التغيير، نسأل أنفسنا: ما الذي يمكنني تغييره في سلوكي، في تفاعلي، في طريقة حبي؟
ما المطلوب من الزوج؟
-
أن يبادر بالاهتمام والتقدير.
-
أن يُشعر زوجته بأنها لا تزال محبوبة ومهمة في حياته.
-
أن يخصص وقتاً نوعياً لها، بعيداً عن مشاغل العمل.
-
أن يشارك في الأعمال المنزلية وتربية الأبناء؛ ليخفف عنها الضغط.
-
أن يستمع باهتمام لمشاعرها دون تهكم أو إنكار.
-
أن يفتح قلبه لمشاعره دون خجل، فالرجل أيضاً يشعر ويحتاج.
ما المطلوب من الزوجة؟
-
أن تُحافظ على الحوار الدافئ والمشجع.
-
أن تعتني بنفسها ليس فقط من أجل زوجها بل لأجل ذاتها.
-
أن تُشعر زوجها بأنه مرغوب ومقدر.
-
أن تتجنب النقد الدائم، وتُشجّع بدلاً من التقليل.
-
أن تشارك زوجها اهتماماته، أو على الأقل تُظهر احترامها له.
-
أن تعبر عن احتياجاتها بوضوح وهدوء دون لوم.
الملل بين الزوجين لا يعني نهاية الحب، بل هو دعوة لإعادة تقييم العلاقة وتغذيتها بما يلزم من حوار، حضور، وتقدير. الزواج لا يُبنى على الحب وحده، بل على الجهد اليومي الذي يُبقي العلاقة حيّة ومُتجددة.
بوعي الطرفين، يمكن تحويل لحظات الركود إلى فرص للتقارب، والنمو، والنضج العاطفي.
الملل ليس عدواً، بل جرس إنذار.. فهل نختار أن نسمعه أم نتجاهله حتى يفوت الأوان؟
*ملاحظة من "سيّدتي" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.