بكاء المولود ليلاً من أكثر الأمور التي تثير قلق الأم، فهي تقضي معظم ساعات الليل تحاول تهدئة مولودها، بينما يتضاعف بكاؤه دون سبب واضح، وقد تبدأ في التساؤل: هل يشعر بالألم أم بالجوع أم هناك سبب آخر لا أراه؟ ولماذا يبدو الليل تحديداً أصعب من النهار؟ ولماذا يزداد البكاء مع حلول الظلام؟ علمياً بكاء المولود ليلاً ليس مجرد حالة طبيعية تحدث لكل الأطفال، بل هو سلوك له جذور نفسية وعلمية متعلقة بتطور الجهاز العصبي والهرمونات واحتياجات الطفل العاطفية.
في هذا التقرير تشرح الدكتورة عفاف الدالي أستاذة طب الأطفال الأسرار التي تجعل مولودك يبكي في الليل أكثر من النهار، مع استعراض لبعض الطرق حتى تفهم الأم لغة بكاء طفلها، وتتجاوز هذه المرحلة بسهولة وثقة... إليك الأسباب:
1-لإيقاع الساعة البيولوجية علاقة بزيادة البكاء ليلاً

الرضيع يولد دون ساعة بيولوجية ناضجة، بينما يمتلك الإنسان البالغ نظاماً داخلياً يسمح له بتنظيم نومه واستيقاظه، لهذا لا يعرف الطفل الرضيع الفرق بين النهار والليل، ولذلك يصبح الليل وقتاً للفوضى بدلاً من الراحة.
عندما يقل الضوء يحاول جسم الرضيع إنتاج هرمون النوم المعروف باسم الميلاتونين، إلا أن هذه العملية لا تعمل بشكل كامل إلا بعد عمر ثلاثة أو أربعة أشهر، ونتيجة ذلك يصبح الرضيع أكثر توتراً في الليل لأنه لا يستطيع التكيف مع ظلمة الغرفة، وقد يشعر بأن البيئة أصبحت أكثر صمتاً وأقل أماناً مما يثير بكاءه.
كما أن الجهاز العصبي للطفل في الليل يكون أقل قدرة على التوازن، مما يجعل أي محفز بسيط مثل الجوع أو المغص أو البلل يسبب بكاء أعلى من النهار.
2-تأثير زيادة المغص والغازات في الليل على بكاء الرضيع

المغص الليلي من أشهر أسباب بكاء الأطفال أثناء الليل، حيث تتجمع الغازات في الأمعاء بعد أن يأكل الرضيع خلال اليوم، ويزيد الألم مع موعد المساء؛ بسبب:
- بطء حركة الجهاز الهضمي ليلاً.
- تغير وضعية الرضيع أثناء النوم.
- زيادة حساسية الطفل من الألم في هذا التوقيت.
- النوم نفسه يؤدي إلى تغير حركة البطن مما يجعل الغازات تضغط بشكل أقوى.
وهنا يصبح بكاء الطفل حاداً، وكأنه لا يهدأ مهما حاولت الأم تهدئته، وقد أثبتت دراسات طب الأطفال أن المغص يصل ذروته في عمر ستة أسابيع، ثم يبدأ في الانخفاض التدريجي لكنه يكون أصعب ليلاً، ويقوم الطفل بالصراخ الطويل كرد فعل طبيعي للألم.
بكاء الطفل أثناء النوم هل تودين التعرف إلى الأسباب؟
3-مشاعر كالخوف والقلق لا تظهر إلا ليلاً فقط
قد تعتقد الأم أن الرضيع لا يشعر بالخوف، لكن الحقيقة أن الطفل منذ يومه الأول يشعر بالانزعاج عند فقدان حضن الأم، أو عند تغير البيئة المحيطة، لهذا فإن الليل بالنسبة للرضيع بيئة مليئة بالمفاجآت:
- الظلام.
- اختفاء الأصوات المعتادة.
- انخفاض درجة الحرارة.
- الشعور بالوحدة.
هذه الأمور تجعل الرضيع يشعر بعدم الأمان؛ فيبدأ بالبكاء ليطلب حضناً دافئاً أو ضوءاً خفيفاً أو صوتاً مطمئناً.
من ناحية علم نفس الأطفال، فإنه يضع هذا السلوك تحت مفهوم الارتباط العاطفي؛ حيث يبكي الرضيع لجذب أمه حتى يشعر بالأمان وخاصة في الليل عندما يغيب التواصل البصري بينهما.
لذلك فإن بكاء الليل قد يكون رسالة واضحة من الطفل أنه يحتاج دعماً عاطفياً أكثر مما يحتاج الطعام نفسه.
أهمية التواصل البصري مع الطفل حديث الولادة هل تودين التعرف إلى المزيد؟
4-زيادة نشاط الدماغ الليلي وتأثيره على الحساسية الزائدة
دماغ الرضيع أكثر نشاطاً في الليل لعدة أسباب منها:
- أن عمليات النمو العصبي تحدث بكثافة في هذا التوقيت.
- الروابط العصبية الجديدة تتكون.
- الجهاز العصبي يحاول تنظيم نفسه.
- النشاط الكهربائي في الدماغ يكون أعلى.
هذا النشاط يجعل الطفل حساساً لأي صوت أو إزعاج أو شعور بسيط، مما يؤدي للبكاء بسهولة أكبر، وقد يستيقظ الرضيع وهو يبكي، لأنه انتقل بين مراحل النوم المختلفة.
الطفل في شهوره الأولى لا يعرف بعد كيف ينتقل من مرحلة النوم الخفيف إلى النوم العميق بسلاسة، والسبب الحقيقي هو نمو الدماغ السريع، الذي يجعله غير مستقر ليلاً، وهنا تظن الأم أنه يبكي دون سبب.
5-الجوع الليلي نتيجة صغر حجم المعدة

المولود معدته صغيرة جداً ولذلك فإنه يهضم الحليب بسرعة. وفي الليل يتباطأ حليب الأم في الهضم مع زيادة احتياج الرضيع للطاقة، فتتكون دائرة متكررة من الجوع والبكاء.
كما أن بعض الرضع ينامون فترة طويلة خلال النهار دون رضاعة كافية، مما يجعلهم يعوضون جوعهم أثناء الليل.
وقد يسبب النمو السريع في الأسابيع الأولى حاجة أكبر للرضاعة ليلاً.
لذلك فإن الجوع الليلي ليس مشكلة في الطفل بل احتياج طبيعي يحدث بسبب نموه وتطوره.
6-الأسباب العضوية لبكاء المولود في الليل
هناك مجموعة من الأسباب الصحية التي تجعل بكاء الطفل يتضاعف ليلاً:
- احتقان الأنف.
- التهابات الأذن.
- الحساسية.
- الارتجاع الحمضي.
- الحفاض المبلل.
- الألم بسبب التسنين.
هذه المشكلات تتفاقم غالباً مع وضعية النوم مما يجعل الطفل يبكي بحدة.
فعلى سبيل المثال يرتفع ضغط الأذن أثناء النوم عند وجود التهاب مما يجعل الألم أقوى.
كما يتصاعد الحليب إلى أعلى المريء بدرجة أكبر أثناء النوم عند وجود ارتجاع.
وهذا ما يفسر لماذا يبدو الطفل طبيعياً نهاراً ولكنه يدخل في نوبات بكاء عنيفة ليلاً.
7-حاجة الرضيع للاتصال الجسدي العميق
الليل هو الوقت الذي تهدأ فيه حركة المنزل، لا أصوات، لا ضوضاء، لا حركة أم أمامه.
في هذا الوقت يشعر الطفل بغياب المحفزات البصرية والسمعية التي اعتاد عليها خلال النهار.
فيبدأ جسمه في طلب الاتصال الجسدي مع الأم، وهذا الطلب يظهر في صورة بكاء.
الأطباء يسمونه: البكاء التواصلي
وهو ليس بكاء ألم بل بكاء طلب حضن دافئ، الطفل يريد سماع نبض قلب أمه، يريد أن يُحمل، يريد أن يشعر بالدفء، وهذا سبب مهم جداً لكنه غير واضح لدى كثير من الأمهات.
8-تغير هرمونات الطفل ليلاً
الطفل يفرز هرمونات مختلفة في النهار والليل، وفي الليل يزداد إفراز هرمونات التوتر بشكل طبيعي نتيجة عدم نضج الغدد.
كما ينخفض مستوى السكر في الدم أثناء فترات النوم الطويل، هذا الانخفاض قد يشعر الطفل بالتوتر والضيق فيبدأ بالبكاء دون سبب ظاهر، لذلك يصبح الليل فترة حساسة جداً على المستوى الهرموني.
9-البيئة الليلية وعلاقتها بالبكاء
هناك عوامل داخل البيت تجعل الرضيع يبكي أكثر ليلاً مثل:
- هواء جاف.
- ضوء شديد أو ظلام تام.
- برد شديد أو حرارة عالية.
- ضوضاء مفاجئة.
- فراش غير مريح.
- حفاض غير مناسب.
- الرطوبة الزائدة.
كل هذه العوامل تضاعف حساسية الطفل وتزيد من بكائه الليلي.
10-كيف تفرق الأم بين بكاء الجوع وبكاء الألم وبكاء القلق

كل نوع من البكاء له لغة مختلفة:
- بكاء الجوع يبدأ تدريجياً ويزداد مع الوقت.
- بكاء الألم يكون حاداً وقوياً ومفاجئاً.
- بكاء القلق يكون متقطعاً وبصوت عال مع رغبة في الحضن. مع الوقت تتعلم الأم أن تميز هذه الأصوات وتستطيع أن تختصر ساعات من البكاء بمجرد فهم لغة صغيرها، وهذا الوعي يغير الحياة الليلية بالكامل، ويجعل الأم أكثر ثقة وأقل توتراً.
خطوات عملية للتعامل مع البكاء الليلي

- تدليك بطن الرضيع قبل النوم.
- تقليل الغازات بالتجشؤ بعد كل رضعة.
- تثبيت مواعيد النوم تدريجياً.
- استخدام إضاءة خافتة.
- تهوية الغرفة بشكل جيد.
- تنظيم مواعيد الرضاعة.
- استخدام صوت أبيض مثل صوت المروحة.
- حمل الطفل بطريقة صحيحة.
- الابتعاد عن الهز العنيف.
- أخذ حمام دافئ قبل النوم يساعد كثيراً في تهدئة الرضيع.
لكن إذا كان البكاء متواصلاً لأكثر من ثلاث ساعات، فقد يكون هناك سبب طبي يحتاج إلى تقييم فوري.
متى يصبح بكاء الليل مؤشرَ خطرٍ؟
حالة ارتفاع الحرارة، أو القيء المستمر.
تشنجات أو تغير لون الشفاه.
تعرق غزير، انتفاخ البطن أو صعوبة تنفس.
في هذه الحالة يجب الذهاب للطبيب فوراً لأن بكاء الليل حينها يعكس مشكلة صحية وليس سلوكاً طبيعياً.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.






