mena-gmtdmp

المرأة الخارقة.. هل يكون الإنجاز على حساب الراحة؟

«المرأة الخارقة» بعيدا عن النمطية
«المرأة الخارقة» بعيدا عن النمطية

يتساءلُ الكثيرون عن مفهومِ «المرأةِ الخارقة» إن كان مجرَّد صورةٍ نمطيَّةٍ عابرةٍ، أم بات عبئاً ثقيلاً، يُقيِّد المرأةَ المعاصرة، فهو على الرغمِ من مظهره البرَّاقِ إلا أنه يحملُ في طيَّاته سموماً تتسلَّل إلى حياتها، وتُنهِك قواها، وتستنزفُ طاقتها، وتُثقِل كاهلها بضغوطٍ كبيرةٍ، ومسؤولياتٍ كثيرةٍ. مِيا عطوي، الاختصاصيَّةُ النفسيَّة ورئيسةُ جمعيَّة «إمبرايس» Embrace، التي سألتها «سيدتي» عن المفهومِ، أوضحت أن «المرأةَ الخارقة» فكرةٌ جذَّابةٌ ومثيرةٌ لكثيرٍ من النساءِ والمجتمعات، لكنَّه في الوقتِ نفسه يتجذَّرُ في صورٍ نمطيَّةٍ.

صورة مثالية واحدة

مفهومُ «المرأةِ الخارقة»، هو فكرةٌ جذَّابةٌ، تثيرُ كثيراً من النساء، لكنَّه يتجذَّرُ بعمقٍ في صورٍ نمطيَّةٍ مقرونةٍ بجنسها، يتمُّ تناقلها عبر الأجيال! هذا النموذجُ الأوَّلي، يُحدِّد كيف يجب أن تتصرَّفَ المرأةُ، وما الأدوارُ التي يتوجَّب عليها أن تأخذها، ما يعكسُ التوقُّعاتِ المجتمعيَّة تجاه النساءِ في كلِّ عصرٍ، كما توضح عطوي.

تقولُ الاختصاصيَّة: «تاريخياً، كان هذا النموذجُ، يُركِّز على دورِ المرأةِ بوصفها سيدةَ منزلٍ، ما يضمنُ أن تكون مسؤوليَّتها الرئيسةُ، هي الحفاظُ على البيتِ والعائلة، لكنْ وبسبب تطوُّرِ المعاييرِ الاجتماعيَّة على مدارِ العقودِ الماضية، توسَّع هذا النموذجُ، ليشملَ النساءَ في سوقِ العمل، ما أتاحَ ظهورَ مفهومِ المرأةِ المستقلَّة والعاملة. واليوم، يسعى مفهومُ المرأةِ الخارقة إلى دمجِ كلِّ هذه الأدوارِ، وهي الأمُّ، الزوجةُ، المحترفةُ، والمرأةُ المستقلَّة في صورةٍ مثاليَّةٍ واحدةٍ! على السطح، يُصوِّر هذا المفهومُ امرأةً قادرةً على تحقيقِ التوازنِ المثالي بين العملِ، والمنزلِ، والعلاقاتِ الشخصيَّة، والأنشطةِ الاجتماعيَّة والثقافيَّة، وحتى الأنشطةِ البدنيَّة! لكنْ عند الفحصِ عن كثبٍ، نكتشفُ أن هذا النموذجَ الأوَّلي، لا يزالُ يُعزِّز التوقُّعاتِ غير الواقعيَّة بأن النساءَ يجب أن يكن مثاليَّاتٍ في كلِّ جوانبِ حياتهن»!

تضيفُ عطوي: «من منظورٍ نسوي، تُعزِّز هذه الصورةُ النمطيَّة سرداً ضاراً حول قيمةِ المرأةِ المرتبطة بقدرتها على التفوُّق في كلِّ مجالٍ دون فشلٍ! ويشيرُ نموذجُ المرأةِ الخارقة إلى أن النساءَ، يجبُ عليهن الوفاءُ بجميع أدوارهن سواء بوصفهن أمَّهاتٍ، أو زوجاتٍ، أو موظَّفاتٍ، أو صاحباتِ أعمالٍ، أو ناشطاتٍ اجتماعيَّاتٍ، أو سياسياتٍ في وقتٍ واحدٍ، وبشكلٍ لا تشوبه شائبةٌ دون إظهارِ أي علاماتٍ على الضعفِ، أو الإرهاق. يتجاهلُ هذا التوقُّع البسيطُ أن لا أحد، بغضِّ النظرِ عن جنسه، يمكنه الحفاظُ على الأداءِ الأمثلِ في كلِّ مجالاتِ الحياةِ في آنٍ واحدٍ».

إليك كيف يتعلم طفلك تقدير دور المرأة في حياته؟

الضغط العاطفي والنفسي

وعن الأعباءِ النفسيَّة التي يفرضها مفهومُ «المرأةِ الخارقة»، تؤكِّد عطوي خلال حديثها، أن «هذا التوقُّع، يضعُ عبئاً نفسياً هائلاً على النساء، ما يؤدي إلى مشاعرَ من عدمِ الكفاءة، والضغطِ النفسي، والإرهاق العاطفي. في الغالبِ، تدفعُ النساء ثمنَ هذا الضغطِ داخلياً بطريقةٍ لا يفعلها الرجالُ، إذ يؤدي إلى مشاعرَ من الفشلِ الشخصي عندما لا يتمكَّن من إتقانِ كلِّ أدوارهن! عكسَ الرجال، الذين قد لا يواجهون مستوى الضغطِ الاجتماعي نفسه ليكونوا مثاليين في كلِّ مجالٍ! وغالباً ما تأخذُ النساءُ فشلهن المدرك بشكلٍ شخصي، ما يجلبُ لهن شعوراً دائماً بالذنب».

وترى أن «هذا الشعورَ بالذنب، الذي تغذِّيه توقُّعاتٌ غير واقعيَّةٍ، يزيدُ من الضغطِ العاطفي والنفسي الذي تواجهه النساء! ومع مرورِ الوقت، يمكن أن يؤدي ذلك إلى إجهادٍ مزمنٍ، ما يُؤثِّر سلباً في العلاقاتِ الشخصيَّة والمهنيَّة، ويزيدُ من العبء الذي تتحمَّله النساءُ في حياتهن اليومية. أمَّا من منظورِ الصحَّة النفسيَّة، فيمكن أن يكون للصورةِ النمطيَّة للمرأةِ الخارقة عواقبُ مدمِّرةٌ. إن الحاجةَ المستمرَّة للأداءِ على أعلى مستوى في جميع مجالاتِ الحياة، تتسبَّبُ في زيادةٍ بمستوياتِ التوتُّر والقلق، ما يزيدُ بدوره من احتماليَّة الإصابةِ بالاكتئاب، والمعاناةِ من المشكلاتِ الصحيَّة النفسيَّة الأخرى. التوقُّعات غير الواقعيَّة التي تحيطُ بالنساء، تخلقُ بيئةً عاليةَ الضغط، يصعبُ الحفاظُ عليها في المدى الطويل».

وتتابعُ الاختصاصيَّة: «تعاني عديدٌ من النساءِ نتيجةً لذلك من الإرهاق، ما يُقلِّل من رفاههن النفسي، ويُؤثِّر سلباً في قدرتهن على العملِ بفاعليَّةٍ في مجالاتِ حياتهن المختلفة. وغالباً ما يؤدي ذلك إلى تراجعِ النساءِ عن بعض المجالات، خاصَّةً حياتهن المهنيَّة، ويجعلهن يشعرن بعدمِ الرضا، وعدمِ الإنجاز! وتظهرُ هذه التجاربُ من الإرهاقِ وعدمِ الرضا بشكلٍ خاصٍّ لدى النساءِ اللاتي يشعرن بالضغوطِ للحفاظِ على صورةِ المرأةِ الخارقة، ليجدن أنفسهن في النهايةِ يُفرطن في السعي وراءَ الكمال، ويشعرن بالانفصالِ عن أنفسهن الحقيقيَّة».

يمكنك أيضًا التعرف على ما هو الاحتراق العاطفي؟

الإنتاجية والإنجاز على حساب الراحة

وفي السياق، تحدَّثت عطوي عن الراحةِ، والرعايةِ الذاتيَّة لدى المرأة التي تعيشُ مفهومَ «المرأةِ الخارقة». تقولُ: «علاوةً على ذلك، يُقلِّل مفهومُ المرأةِ الخارقةِ من أهميَّة الراحةِ، والرعايةِ الذاتيَّة، ووقتِ الشخص. في بيئةٍ، تُعطى الأولويَّةُ فيها للإنتاجيَّة والإنجاز، يُنظَرُ غالباً إلى وقتِ الفراغِ، أو الراحةِ بوصفه علامةً على الفشلِ، أو عدمِ الإنتاجيَّة! يفرضُ هذا الضغطُ الاجتماعي على النساءِ الاستمرارَ في السعي نحو الكمال، ما يتركُ قليلاً من المجالِ للرعايةِ الذاتيَّة، أو الاسترخاءِ، أو التمتُّع بلحظاتٍ بسيطةٍ ومُجدِّدةٍ للطاقة. من منظورٍ نسوي، يعدُّ هذا قضيةً حرجةً، لأنه يتجاهلُ الحاجةَ إلى أن تستعيد النساءُ استقلالهن عن التوقُّعاتِ المجتمعيَّة، ويشملُ ذلك وقتهن ورفاههن. النساءُ، مثل أي شخصٍ آخر، في حاجةٍ إلى إعادةِ شحن طاقتهن، والانفصالِ عن التوقُّعاتِ المجتمعيَّة للحفاظِ على صحَّتهن النفسيَّة والبدنيَّة والعاطفيَّة. أيضاً تُؤثِّر الصورةُ النمطيَّة للمرأةِ الخارقة في العلاقاتِ الأسريَّة والاجتماعيَّة فقد تجدُ الأمُّ العاملةُ، أو المرأةُ التي تسعى إلى أن تكون الزوجةَ المثاليَّة، والأمَّ المثاليَّة، والمحترفةَ المثاليَّة صعوبةً في تخصيصِ الوقتِ الكافي لعلاقتها مع أطفالها، أو شريكها، أو حتى نفسها. إن التوازنَ المستمرَّ بين المسؤوليَّات المتنافسة، يخلقُ ضغطاً على العلاقاتِ الشخصيَّة، ما يؤدي غالباً إلى مشاعرَ من العزلةِ، أو الاستياءِ، أو نقصِ الرضا في العلاقات. الضغطُ للتفوُّقِ في كلِّ مجالٍ، لا يؤذي رفاهيَّةَ المرأةِ فحسب، بل ويضرُّ أيضاً بجودةِ تفاعلها مع مَن حولها».

وفي الختامِ، تذكرُ عطوي: «مفهومُ المرأةِ الخارقة، ليس مجرَّد صورةٍ نمطيَّةٍ عابرةٍ، إنه أيضاً صورةٌ مثاليَّةٌ مرهقةٌ، يُتوقَّع من النساءِ المعاصراتِ تجسيدها، وتحملُ معها عواقبَ نفسيَّةً وجسديَّةً كبيرةً. على الرغمِ من أن هذا المفهومَ قد يبدو جذَّاباً في البداية إلا أنه يوصلُ إلى مجتمعٍ، يضعُ ضغوطاً غير مبرَّرةٍ على المرأة، لتكون مثاليَّةً في كلِّ جوانب حياتها! المرأةُ، مثل أي شخصٍ آخر، تحتاجُ إلى احتضانِ إنسانيَّتها، وعيوبها، وحاجتها للراحةِ، ويجبُ ألا يُتوقَّع منها أن تتجسَّد في أسطورةِ الكمال، بل ينبغي تشجيعها على عيشِ حياةٍ أصيلةٍ وملهمةٍ وخاليةٍ من قيودِ المعاييرِ المستحيلة».

يمكنك متابعة الموضوع على نسخة سيدتي الديجيتال من خلال هذا الرابط