صحة المرأة النفسية هي جزء لا يتجزأ من صحتها العامة ورفاهها، إلا أنها غالباً ما تواجه تحديات فريدة تتأثر بالعوامل البيولوجية، والاجتماعية، والنفسية، تتطلب هذه التحديات فهماً عميقاً واهتماماً خاصاً لأنها لا تؤثر فقط على المرأة نفسها، بل أيضاً على أسرتها ومجتمعها بأكمله.
اختصاصية علم النفس فانيسا حداد تتحدث لـ"سيّدتي" حول الاحتياجات الخاصة والتحديات المختلفة لصحة المرأة النفسية.

تحديات تواجه المرأة على الصعيد النفسي
الهرمونات والدورة الشهرية
أحد أبرز العوامل التي تؤثر على الصحة النفسية للمرأة هو التغيّر الهرموني المستمر خلال مراحل حياتها المختلفة، بداية من سن البلوغ، مروراً بفترة الدورة الشهرية، ثم الحمل، والولادة، وأخيراً سن اليأس (انقطاع الطمث)، هذه التغييرات يمكن أن تؤدي إلى تقلبات مزاجية، قلق، اكتئاب، وحتى اضطرابات نفسية حادة في بعض الحالات.
على سبيل المثال، تعاني بعض النساء من اضطراب ما قبل الدورة الشهرية (PMDD)، وهو نوع شديد من متلازمة ما قبل الحيض يسبب تقلبات مزاجية حادة قد تؤثر على العمل والعلاقات.
كما أن اكتئاب ما بعد الولادة هو حالة شائعة تصيب نسبة كبيرة من الأمهات الجدد، وتحتاج إلى دعم وعلاج مناسبين.
الضغوط الاجتماعية والأدوار المتعددة
تلعب المرأة أدواراً متعددة في حياتها: أم، زوجة، عاملة، ابنة وراعية، ومع كل دور تأتي مسؤوليات وتوقعات قد تكون مرهقة نفسياً، كثيراً ما تجد النساء أنفسهن مضطرات للتوفيق بين الحياة المهنية والحياة العائلية، مما قد يؤدي إلى التوتر والإرهاق المزمن.
في بعض الثقافات، لا تزال المرأة تتحمل أعباءً اجتماعية مضاعفة، وتُقيَّد بتوقعات مجتمعية تقليدية تفرض عليها الكتمان، والتحمُّل، وعدم التعبير عن مشاعرها، كل هذه العوامل يمكن أن تسبب ضغطاً داخلياً كبيراً قد يتراكم ويؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب أو القلق المزمن.
قد يهمك الإطْلاع على التنمر وتأثيره على الصحة النفسية... عندما يتحول الأذى إلى ألم داخلي صامت
العنف والتمييز
تعاني الكثير من النساء من العنف الجسدي أو النفسي أو غير ذلك، سواء داخل المنزل أو خارجه، العنف ضد المرأة هو عامل رئيسي في تدهور صحتها النفسية، وقد يؤدي إلى صدمة نفسية، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)، وشعور دائم بالخوف وانعدام الأمان.
كما أن التمييز الجندري في أماكن العمل أو التعليم أو حتى داخل الأسرة يمكن أن يؤدي إلى تقليل تقدير الذات والشعور بالنقص والقلق، التمييز قد يكون خفياً، مثل تهميش صوت المرأة أو التقليل من إنجازاتها، لكنه يترك أثراً عميقاً في نفسيتها.
الاحتياجات الخاصة في الدعم النفسي
من الضروري أن يتم تقديم خدمات الصحة النفسية للنساء بطريقة تراعي خصوصيتهن، فالنساء يحتجن إلى بيئة آمنة تشجع على البوح، دون خوف من الأحكام أو الوصم، كما أن المرأة قد تحتاج إلى أن تُعامل من قبل متخصصات في الصحة النفسية يُشعرنها بالفهم والتعاطف.
الدعم النفسي يجب أن يكون شاملاً، يشمل التوعية، والعلاج النفسي، والدعم المجتمعي والأسري، من المهم أيضاً أن يُراعَى السياق الثقافي والاجتماعي الذي تعيش فيه المرأة، حيث إن بعض المفاهيم النفسية قد تُفهم بطريقة مختلفة في ثقافات معينة.
ربما تودين قراءة تأثير الصحة النفسية والعقلية في صحة الجسم لا يُصدَّق... اختصاصية تشرح
كيف نعتني بالصحة النفسية للمرأة؟

- التوعية: نشر الوعي بأهمية الصحة النفسية للمرأة وتثقيفها حول التغيرات النفسية الطبيعية وغير الطبيعية خلال حياتها.
- الدعم الاجتماعي: تشجيع العائلة والمجتمع على دعم النساء نفسياً وعاطفياً، وتوفير مساحات آمنة للحديث.
- كسر الوصمة: محاربة الأفكار السلبية عن العلاج النفسي، واعتبار اللجوء إلى اختصاصي أمراً طبيعياً وشجاعاً.
- الرعاية النفسية المبكرة: الكشف المبكر عن أي أعراض نفسية وتقديم العلاج في المراحل الأولى أفضل بكثير لتجنّب تفاقم الحالة.
- التمكين: تعزيز ثقة المرأة بنفسها، وتشجيعها على التعبير عن احتياجاتها ومشاعرها بحرية.
صحة المرأة النفسية: خاتمة
إن صحة المرأة النفسية ليست قضية شخصية فقط، بل هي قضية مجتمعية تحتاج إلى وعي، دعم، وتغيير في المفاهيم. عندما تتمكن المرأة من الاعتناء بنفسها نفسياً، فإنها تصبح أكثر قدرة على العطاء، والتوازن، والمساهمة الفعّالة في محيطها، حان الوقت لنضع صحة المرأة النفسية في صلب النقاشات، ونكسر الصمت حول التحديات التي تمر بها، لنخلق عالماً أكثر تفهّماً وإنصافاً.
*ملاحظة من "سيّدتي" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.