تلد الأم طفلها ومعه تنساب العواطف الغامرة، ومسؤوليات جديدة تراها كلها محببة، وبعد فترة تجدها تحديات لا تنتهي؛ فالرضاعة الطبيعية، والتي كانت تظنها طبيعية وسهلة، وتحدث بشكل فطري دون جهد، تفاجئ كثيراً من الأمهات بأن إنتاج الحليب لا يسير دائماً كما خُطط له، بل قد يتراجع فجأة، ما يثير القلق والتوتر، ويدخل الأم في دائرة من الضغط النفسي، يزيد من تراجع الحليب أكثر.
فماذا تفعلين إذا قلّ الحليب؟ وهل الضغط النفسي يؤثر على إفراز الحليب؟ ومتى يكون الأمر طبيعياً، ومتى يكون علامة تنذر بالخطر؟ وهل من حلول فعّالة؟ الدكتورة نهاد مغاوري أستاذة النساء والتوليد تجيب عن التساؤلات، وتسلّط الضوء على أسباب انخفاض الحليب، وكيفية التعامل مع الأمر من الناحية الجسدية والعاطفية.
أبرز أسباب قلة الحليب

الرغبة في الرضاعة لا تكفي وحدها؛ إذ إن عملية إنتاج الحليب تخضع لعدة عوامل معقدة، بينها الهرمونات، والتغذية، توقيت الرضاعة، والحالة النفسية.
عدم الرضاعة المتكررة:
حليب الأم يُنتَج بناءً على "العرض والطلب"؛ فإذا لم تُرضعي الطفل كثيراً أو بانتظام في الأيام الأولى، يُرسل الجسم إشارة إلى أن الحليب غير مطلوب، ويبدأ بالإبطاء.
الملحقات الصناعية (الرضاعة الصناعية المبكرة):
تقديم الحليب الصناعي في أول أسبوع، دون سبب طبي، يقلل من إقبال الطفل على الثدي، وبالتالي يقلّ التحفيز المطلوب لإنتاج الحليب.
المضاعفات الصحية أو الولادة القيصرية:
بعض الأدوية أو ظروف الولادة الصعبة، من العوامل التي قد تؤخر نزول الحليب أو تؤثر على كميته.
الضغط النفسي أو الاكتئاب بعد الولادة:
التوتر يقلل إفراز هرمون "الأوكسيتوسين"، الضروري لاندفاع الحليب من الغدد إلى الحلمة.
سوء تغذية الأم أو قلة شرب المياه:
تشوهات أو مشكلات في الفم أو اللسان لدى الطفل مثل اللسان المربوط.
الضغط النفسي والمشاعر السلبية أقوى الأسباب
أشارت بعض الدراسات إلى أن مشاعر الأمهات السلبية والضغط النفسي لا يوقف إنتاج الحليب تماماً، ولكنه يعطل عملية اندفاع الحليب من الغدد إلى القنوات التي توصله للطفل.
السبب التالي يرجع لهرمون الأوكسيتوسين المسئول عن قذف الحليب من الثدي، ويُفرَز عند شعور الأم بالراحة، الحب، التفاعل مع الطفل، أو حتى سماع صوته.
وعندما تكون الأم قلقة، خائفة، أو مجهدة، ينخفض الأوكسيتوسين، فتشعر بأن ثديها "جاف" رغم امتلائه.
إذن الضغط النفسي للأم لا يوقف الإنتاج فقط، بل قد يعيق الرضاعة الطبيعية نفسها، لهذا فإن التعامل مع التوتر لا يقل أهمية عن تناول المغذيات.
6 حقائق طبية عن الرضاعة الطبيعية تُطمئن القلب هل تودين التعرف إليها؟
كيف تعرفين أن الحليب قليل، ومتى تحتاجين لاستشارة الطبيب؟

كثير من الأمهات يقلقن بلا سبب حقيقي، ويعتقدن أن الحليب غير كافٍ لمجرد أن الطفل يطلب الثدي كثيراً أو يستيقظ ليلاً ليرضع من الثدي.
هناك علامات طبيعية لا تعني قلة الحليب مثل:
- الطفل يرضع كل ساعتين أو أقل.
- يستيقظ ليلاً للرضاعة.
- يبدو جائعاً رغم الرضاعة.
- ثديكِ لا "ينتفخ" كما في الأيام الأولى.
وعلامات حقيقية تعني قلة الحليب مثل:
- قلة عدد الحفاضات المبللة (أقل من 6 حفاضات يومياً بعد الأسبوع الأول).
- ضعف في زيادة الوزن.
- عدم وجود حركات أمعاء منتظمة.
- الطفل يبدو خاملاً أو ينام طوال الوقت دون طاقة للرضاعة.
في هذه الحالة، يجب مراجعة طبيب الأطفال فوراً، مع البدء بخطة طارئة لدعم الرضاعة.
خطوات فعّالة لزيادة الحليب تحت الضغط:

هل تعانين من ضغط الحياة، وقلة الدعم، وربما اضطررتِ للعمل أو الاهتمام بأطفال آخرين؟ إليك خطة علمية وعاطفية في آنٍ واحد:
- اجعلي الرضاعة مستمرة (كل ساعتين إلى ثلاث ساعات)؛ حتى لو لم يبدُ أن الحليب يخرج، مجرد مصّ الطفل للثدي يحفّز الدماغ لإنتاج المزيد.
- ضخي الحليب بعد كل رضعة، إذا كان طفلك لا يرضع جيداً؛ فاستخدمي مضخة الحليب لزيادة التحفيز، وقومي بضخ الحليب 15 دقيقة بعد كل رضعة، ما يُعيد تنشيط الغدد اللبنية.
- اطلبي الدعم ولا تنسي النوم والراحة، نعم، نومكِ مهم؛ وقلة النوم تُقلّل الحليب، لذا لا تترددي في طلب الدعم والمساعدة من زوجك أو أحد أفراد الأسرة لتوفير وقت للراحة.
- ركزي على التغذية السليمة: الماء (2.5 لتر يومياً)، الشوفان، الحلبة، الزنجبيل، المكسرات النيئة والتمر، البروتينات (لحوم، بيض، عدس)، الدهون الصحية (زيت زيتون، أفوكادو).
- اهتمي بالاستحمام الدافئ والتدليك، الاسترخاء بالماء الدافئ يرفع الأوكسيتوسين، ويُحفز نزول الحليب، يمكنك تدليك الثديين قبل الرضاعة لتحفيز القنوات اللبنية.
- ركزي على الرضاعة الليلية، هرمون البرولاكتين (المسئول عن إنتاج الحليب) يكون في أعلى مستوياته ليلاً، فاحرصي على إرضاع الطفل مرة أو مرتين على الأقل بعد منتصف الليل.
متى تحتاجين لاستشارة مختص؟

- حالة الشعور بألم دائم عند الرضاعة.
- حالة وجود تشققات بالحلمة مزمنة.
- عند مشاهدة طفلك لا يكتسب وزناً رغم الرضاعة المنتظمة.
- حالة قلة تدفق الحليب رغم كل المحفزات.
الاستشارة قد تكشف عن مشاكل خفية: مثل ربط اللسان عند الطفل، أو عدم وضعه بطريقة صحيحة على الثدي.
لا تشعري بالذنب بمجرد أن يقل الحليب، الشعور بالذنب لا يتعلق بالكفاءة بل بالظروف.
تذكّري:
- كل أم تواجه صعوبات في الرضاعة في مرحلة ما، والضغط المجتمعي والأفكار المثالية عن الأمومة يضرّ أكثر مما يفيد.
- لا بأس باللجوء إلى الحليب الصناعي عند الحاجة، ما دام طفلك يحصل على التغذية والحب.
- الأمومة ليست امتحاناً للكمال، هي علاقة تبادلية من الحنان والعطاء، سواء أطعمتِ طفلك من ثديك أو من زجاجة.
*ملاحظة من "سيدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.