يُعدّ سرطان الثدي من أكثر التحديات التي يمكن أن تمرّ بها المرأة على الصعيد الجسدي والنفسي. فبعد رحلة العلاج الطويلة التي قد تشمل الجراحة أو العلاج الكيميائي أو الإشعاعي، لا يقتصر التعافي على الجسد فقط، بل يبدأ مشوار جديد نحو التعافي النفسي واستعادة الثقة بالنفس.
من منظور علم النفس، تمرّ المرأة بمراحل متعددة من التقبّل وإعادة البناء، وتحتاج إلى دعم داخلي وخارجي لتعيد الاتصال بجسدها، أنوثتها، وحبّها للحياة كما توضح الاختصاصية في علم النفس الاجتماعي والبرمجة اللغوية العصبية والعلاج الإيحائي والعلاج بخط الزمن أزنيف بولاطيان من خلال هذا المقال لـ "سيّدتي".
تقبّل التغيير الجسدي والعاطفي
العلاج من سرطان الثدي قد يترك آثاراً جسدية واضحة، مثل فقدان الثدي أو الندوب الجراحية أو تغيّر الشكل العام للجسم. وهنا تبدأ المرحلة الأعمق من العلاج من خلال التصالح مع الجسد الجديد. يؤكد علم النفس أن الشفاء يبدأ عندما تتوقف المرأة عن النظر إلى جسدها كعدو، وتبدأ في رؤيته كـ"شريك نجا" من تجربة صعبة.
يمكن للمرأة أن تتدرّب على:
- النظر إلى جسدها بعين الامتنان لا الخسارة.
- ممارسة تمارين المرايا، بالنظر إلى نفسها بتعاطف ولطف.
- استخدام عبارات تأكيد إيجابية مثل: أنا ما زلت أنثى كاملة، جميلة وقوية.
- جسدي قصة شجاعة، وليس مصدر خجل.
دور الدعم الاجتماعي للناجيات من سرطان الثدي
من الناحية النفسية، يُعتبر الدعم الاجتماعي أحد أقوى عوامل الشفاء.
المرأة التي تحاط بدائرة داعمة من الأصدقاء والعائلة والمعالجين النفسيين، تكون أكثر قدرة على التعبير عن مشاعر الخوف والغضب دون خجل، وبناء صورة ذاتية إيجابية من خلال التشجيع الخارجي والانخراط في مجموعات دعم تضم نساء مررن بالتجربة نفسها، مما يخفف من الإحساس بالوحدة؛ ففي علم النفس الاجتماعي، المشاركة تُخفف الألم، والبوح يُعيد المعنى للحياة.
ما رأيكِ بالاطلاع إلى الأمومة بعد سرطان الثدي: تحديات وفرص جديدة تبعاً للدراسات العلمية.
الناجيات من سرطان الثدي: إعادة اكتشاف الأنوثة والهوية
الكثير من النساء يربطن الأنوثة بالثديين أو بالشكل الخارجي، لكن علم النفس الإنساني والنسوي يرى أن الأنوثة قوة داخلية تتجلى في اللطف، الحدس والقدرة على العطاء.
بعد التعافي، يمكن للمرأة أن تعيد اكتشاف أنوثتها من خلال العناية بنفسها مثل جلسات استرخاء، تجميل وملابس تشعرها بالراحة. ممارسة نشاطات تحبها مثل الرقص، التأمل، الفن، أو أي فعل يعيدها إلى الحياة. الاحتفال بجسدها بدل إخفائه، لأن الأنوثة ليست في الجسد فقط، بل في الطاقة التي نحملها ونمنحها للعالم.
الاستعانة بالعلاج النفسي
بعد تجربة السرطان، قد تظهر أعراض القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة. من المهم أن تعرف المرأة أن اللجوء إلى اختصاصي نفسي ليس ضعفاً، بل خطوة نحو القوة.
أساليب مثل العلاج السلوكي المعرفي(CBT) العلاج بالتنويم الإيحائي أو بالتأمل يساعد على إعادة الاتصال بالجسد والروح. العلاج بالفن أو الكتابة يسمح بتحرير المشاعر المكبوتة بطريقة آمنة.
إيجاد معنى جديد للحياة
السرطان يغيّر طريقة نظر الإنسان إلى العالم. كثير من النساء بعد التعافي يقلن إنهن أصبحن أكثر وعيًا، وأقرب إلى الله، وأكثر تقديرًا للحياة. هذه المرحلة تُعرف في علم النفس الوجودي بـ "النمو بعد الصدمة" (Post-Traumatic Growth).
يمكن للمرأة أن تكتب قصتها لتُلهم غيرها، تساهم في حملات توعية، تعيش من جديد، ولكن بنسخة أكثر نضجًا وعمقًا من نفسها.
وتختم اختصاصية علم النفس أزنيف بولاطيان قائلة:"عزيزتي المرأة، رحلتكِ مع السرطان لا تُعرّفكِ، بل تُعيدكِ إلى حقيقتكِ، لقد واجهتِ الخوف والموت وخرجتِ منهما أقوى، أجمل وأصدق. الندبة على جسدكِ ليست عيبًا، بل وسام شجاعة يذكّركِ أنكِ نجوتِ. ومن منظور علم النفس، الثقة بالنفس لا تعود كما كانت، بل تولد من جديد، أعمق وأصدق وأكثر استقرارًا.
استعادة الثقة بالنفس بعد سرطان الثدي ليست مرحلة سهلة، لكنها ممكنة عندما تمتدّ يد الحب من الداخل قبل الخارج. حين تتصالح المرأة مع جسدها، وتمنح نفسها الوقت والمساحة، تتحوّل من ناجية إلى ملهمة. في أكتوبر الوردي، دعونا نحتفل بكل امرأة واجهت الألم بابتسامة، وبكل قلب ما زال ينبض بالأمل".
ينصح بمتابعة كيف يمكن للمرأة أن تبدأ رحلتها نحو الوقاية في أكتوبر الوردي؟... إليك نصائح الخبراء.
*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.
