mena-gmtdmp

كيف يمكننا أن نعيش بصحة أفضل؟ طبيب يشرح سر التحوّل من علاج المرض إلى منعه

امرأة في عيادة الطبيب
امرأة في عيادة الطبيب

يسعى بعض الرواد في عالم الطب إلى إعادة تعريف مفهوم الرعاية الصحية من خلال التحوّل من التركيز على العلاج إلى الوقاية وتعزيز الصحة الشاملة.
للتعرّف على أهمية هذا التحول وانعكاساته على صحة الفرد والمجتمعات، كان لـ"سيّدتي" لقاء خاص من الدكتور تود ماكاليستر، الاختصاصي في الطب الوقائي وطب الأداء، في حوار هنا نصّه:

الدكتور تود ماكاليستر

ما المقصود بالتحول من العلاج إلى الوقاية في الرعاية الصحية؟

تقليدياً، كان نموذج الرعاية الصحية يعتمد على العلاج بعد ظهور المرض، أي أننا لا نطلب المساعدة الطبية إلا عند حدوث مشكلة واضحة.
وقد اعتاد الأفراد على اعتبار "الصحة الجيدة" مجرد غياب المرض.


من خلال التحول إلى نموذج وقائي، نهدف إلى تقييم المخاطر بشكل شامل حتى نتمكن من تجنّب المرض تماماً أو اكتشافه في مراحله المبكرة، حيث تكون التدخلات أقل تعقيداً وأكثر فعالية. أحد الأمثلة القوية على تأثير هذا النهج يظهر في كيفية تعامل النظام الصحي مع أمراض القلب مقارنة بالسرطان.


في أمراض القلب، لدينا مؤشرات إنذار مبكر بسيطة وواضحة مثل مستويات الكوليسترول، مما يمنحنا فرصة للتدخل المبكر وتغيير نمط الحياة لتجنّب أو تأخير ظهور المرض. بالمقابل، لا يوجد لدينا نظام إنذار مبكر واضح لمخاطر السرطان، فقط الكشف المبكر بعد ظهور الخطر. لا يوجد لدينا ما يعادل مستوى الكوليسترول لتغيير نمط الحياة ومنع المرض قبل حدوثه.
وإذا نظرنا إلى معدلات الوفيات من السرطان مقابل أمراض القلب بين عامي 1970 و2010، سنجد انخفاضاً كبيراً في وفيات أمراض القلب، بينما تحسنت معدلات البقاء في السرطان دون تغيير كبير في معدل الوفيات الإجمالي.


وبعيدًا عن هذا المثال، فإن تبنّي عادات وقائية، مثل النوم الجيد وتناول فيتامين دي D والزنك، يُعد وسيلة فعّالة للحد من الإصابة بالأمراض الشائعة كالرشح.


ما الفوائد التي يمكن أن تجنيها المجتمعات من تبني النهج الوقائي بدلاً من العلاجي؟

يمكن النظر إلى الأمر من زاويتين:
على المستوى الفردي، هناك بيانات واضحة تدعم أن الرعاية الوقائية الاستباقية تطيل العمر الصحي والعمر الإجمالي. ومع انتشار هذا التفكير، سيطالب الأفراد بمزيد من نظام الرعاية الصحية، بالتركيز على جودة الحياة والأداء بدلاً من مجرد تجنب المرض.
أما على مستوى المجتمع، فهناك أدلة متزايدة تشير إلى أن هذه الاستراتيجيات فعّالة من حيث التكلفة. نرى هذا بالفعل في أنظمة التأمين التي تغطي التصوير الإشعاعي للثدي سنوياً وتنظير القولون كل خمس سنوات لمن هم فوق 45 عاماً.
ومع ظهور المزيد من الأدلة الاقتصادية الصحية، سيصبح من شبه المؤكد توسيع برامج التقييم الوقائي لتشمل فحوصات أشمل مثل أشعة الرنين المغناطيسي لكامل الجسم أو تصوير القلب الطبقي المحوري.
قد تهمك متابعة طرق الوقاية من الأمراض المزمنة ليست صعبة


ما دور التكنولوجيا الحديثة في دعم الرعاية الوقائية، مثل الأجهزة القابلة للارتداء؟

امرأة ترتدي ساعة ذكية- المصدر: pexels-pixabay


قد يكون هذا الأمر سلاحاً ذا حدّين؛ فنحن نعيش اليوم في عصر مليء بالبيانات الصحية الدقيقة، حيث يمكننا تتبّع كل شيء بشكل مستمر، من عدد الخطوات إلى مراحل النوم العميق، ومن مستويات الجلوكوز في الدم إلى مكوّنات الزفير. لكن يبقى السؤال: هل جميع هذه البيانات قابلة للتطبيق؟ وهل يعرف معظم الأفراد فعلًا كيف يضعون خطة عملية بناءً على هذه المعلومات؟ وهل نفهم حقًا العلاقة بين بعض هذه المؤشرات وجودة الحياة الصحية؟


لبعض المؤشرات الإجابة نعم. على سبيل المثال، عند قياس كفاءة الجهاز القلبي التنفسي من خلال اختبار الحدّ الأقصى لاستهلاك الأكسجين، يمكننا التنبؤ بالعمر البيولوجي بدقة عالية. كما يمكن ربط تحسين نتائج الحدّ الأقصى لاستهلاك الأكسجين بزيادة العمر المتوقع بشكل واضح ومدروس.


ومع ذلك، فإن قياس مئات المؤشرات الحيوية ومتابعتها يومياً أو حتى كل بضعة أشهر قد يُبعدنا عن الهدف الأساسي.


الهدف هو إجراء فحوص شاملة، ثم ربط المؤشرات الحيوية الرئيسية مباشرةً بالعمر المتوقع وصياغة خطة واضحة تساعد الشخص على تحقيق أهدافه.

كما يجب مواكبة رحلة الشخص والعمل على تقديم متابعة وتوجيه مستمرين لضمان تحوّل التغييرات السلوكية إلى عادات ثابتة وطويلة الأمد، وليس مجرد اندفاعات قصيرة لأسابيع قليلة.
لذلك، ورغم إيماننا العميق بأهمية الفحوص المتقدمة والتكنولوجيا، فإن تركيزنا ينصب على مجموعة محدودة ومختارة بعناية من المؤشرات الحيوية المصممة خصيصاً لتلبية احتياجات كل فرد. فمن المرهق وغير الواقعي محاولة التركيز على كل شيء في نفس الوقت.

هل هناك تحديات تواجه استخدام التكنولوجيا في الوقاية والرعاية الأولية؟

وفرة البيانات قد تصبح مربكة، والكثير منها لا يكون قابلاً للتطبيق عملياً. حتى المتخصصون في الرعاية الصحية يميلون أحيانًا إلى عرض البيانات دون توضيح أهميتها أو تقديم خطة عمل واضحة بناءً عليها.

ما دور أسلوب الحياة الصحي في تقليل الحاجة للعلاج؟ وهل يمكن أن تحل الرعاية الوقائية محل العلاجية في المستقبل؟

إن مجال الطب الوقائي مليء بالعلاجات المتقدمة التي تعِد بإضافة سنوات صحية للحياة. ويعتمد جزء كبير من هذا الزخم على التسويق القوي وجمهور متحمس. فمن منا لا يرغب في العيش لفترة أطول وبصحة أفضل؟ جميعنا نرغب بذلك.


لكن الحقيقة البسيطة هي أن معظم هذه التقنيات مبنية على دراسات أُجريت على الفئران والقوارض. ورغم أنه لا شك في قدرتنا على إطالة عمر هذه الكائنات بشكل ملحوظ، إلا أن الأدلة على إمكانية تحقيق نفس النتائج لدى البشر ما تزال محدودة.


ومع ذلك، لا يعني ذلك أن العلاجات المتقدمة ليس لها دور. فـتحسين الهرمونات يمكن أن يُحدث تأثيراً كبيراً على مستوى الطاقة وتكوين الجسم والتركيز. والببتيدات تُعد نقلة نوعية في تعزيز التعافي. والخلايا الجذعية لديها القدرة على الحفاظ على صحة الجهاز العضلي الهيكلي وتأخير ظهور بعض الأمراض المزمنة.


لكن رغم هذه الخيارات المتقدمة، تظل العادات اليومية البسيطة هي البوصلة الحقيقية لزيادة سنوات الحياة الصحية.
تناول طعام أفضل، الحفاظ على نوم جيد، ممارسة الرياضة بانتظام، وصنع حياة مليئة بالعلاقات والمعنى والرضا. هذه العادات لها تأثير مثبت لا جدال فيه على تحسين جودة الحياة مع التقدم في العمر.
ومع ذلك، نعلم جميعاً أن الالتزام بها ليس أمراً سهلًا. كلنا نعرف أن رقائق البطاطس على سبيل المثال، ليست خياراً صحياً، ومع ذلك من نتناولها.
الهدف هو تصميم خطط عملية مخصصة تركز على مجموعة محددة من الأولويات، ومرافقة الفرد في رحلة تغيير مستدامة.

كيف ترى مستقبل الطب الشخصي في سياق الرعاية الوقائية؟

نتحدث كثيراً عن الطب الشخصي وكأنه مستقبل الطب، لكنني أرى أنه واقع حاضر بالفعل، فقط يحتاج المرء أن يعرف أين يبحث.


*ملاحظة من "سيّدتي": قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج تجب استشارة طبيب مختص.