العقل البشري معجزة معقدة، يرسل لنا يومياً إشارات واضحة وصامتة يخبرنا من خلالها بما يحتاجه. لكن كثيراً ما نتجاهل تلك الإشارات أو لا ننتبه إليها، فنواصل الركض في دوامة الحياة حتى نجد أنفسنا منهكين جسدياً ونفسياً. فهم هذه الإشارات قبل فوات الأوان لا يحافظ فقط على صحتنا العقلية، بل يحمينا أيضاً من الوقوع في مشكلات أعمق مثل القلق والاكتئاب أو الإرهاق المزمن.
"سيّدتي" التقت اختصاصية علم النفس فانيسا حداد، للتزوّد ببعض المعلومات حول الجوانب المهمة التي تساعد على قراءة إشارات العقل وطرق التجاوب معها بشكل صحي، فكان الموضوع الآتي:

التعب الذهني ليس مجرد كسل
حين تشعرين أن تركيزك يتشتت بسهولة أو أن عقلك "متعب" حتى مع أبسط المهام، فهذا ليس ضعفاً منك ولا كسلاً، بل إشارة يرسلها العقل ليطلب الراحة.
محاولة إجبار نفسك على الاستمرار في العمل تحت هذا الضغط قد تؤدي إلى نتائج عكسية.
الحل هنا أن تمنحي نفسك استراحة قصيرة، حتى لو كانت 10 دقائق من التنفس العميق أو المشي.
الأرق أو كثرة النوم رسائل مبطنة
اضطرابات النوم من أبرز إشارات العقل التي لا يجب تجاهلها. إذا وجدت نفسك تعجزين عن النوم بسبب التفكير المفرط، فهذا يعني أن عقلك عالق في دائرة قلق أو توتر. أما النوم المفرط فيمكن أن يكون دليلاً على هروب العقل من مواجهة مشكلة معينة. في كلتا الحالتين، العقل يخبرك أن هناك ما يحتاج إلى معالجة.
تقلب المزاج.. "جرس إنذار"
حين ينتقل مزاجك بسرعة من الفرح إلى الحزن أو من الحماس إلى اللامبالاة، فهذا لا يحدث عبثاً.
تقلب المزاج إشارة على أن عقلك يواجه صعوبة في الحفاظ على توازنه العاطفي. بدلاً من قمع هذه المشاعر أو تجاهلها، حاولي أن تسألي نفسك: ما السبب وراء هذا التحول؟ أحياناً يكون بسيطاً مثل قلة النوم أو الجوع، وأحياناً أعمق مثل ضغط العمل أو علاقة سامة.
قد تهمك قراءة تأثير الصحة النفسية والعقلية في صحة الجسم لا يُصدَّق.. اختصاصية تشرح
التشتت وفقدان الحافز
إذا كنت تجدين صعوبة في إنجاز المهام أو تشعرين أن الحافز يتلاشى تدريجياً، فهذا قد يكون صوت عقلك يخبرك أنك بحاجة إلى إعادة ترتيب أولوياتك. التشتت المتكرر ليس دائماً علامة على ضعف الإرادة، بل قد يكون إشارة على أنك تعملين ضد رغباتك الحقيقية أو أنك تحملين فوق طاقتك.
الأعراض الجسدية ذات الجذور النفسية
العقل لا يتحدث بالكلمات فقط، بل أحياناً يرسل رسائله عبر الجسد. صداع متكرر، آلام المعدة، شدّ في الرقبة أو الكتفين؛ هذه قد تكون انعكاسات مباشرة للتوتر أو الضغط النفسي.
تجاهلها ومعالجتها فقط بالمسكنات لن يحل السبب الجذري. الاستماع للعقل عبر الجسد خطوة أساسية لفهم احتياجاتك العاطفية والعقلية.
الانسحاب الاجتماعي

حين تجدين نفسك لا ترغبين في مقابلة الأصدقاء أو تفقدين المتعة في الأنشطة التي كنت تحبينها، فهذه إشارة قوية من العقل أنك بحاجة إلى وقفة. أحياناً يكون الانسحاب مؤقتاً وضرورياً لاستعادة الطاقة، لكن إذا طال الأمر، فهو علامة على وجود ضغط داخلي يحتاج إلى تفريغ أو دعم من الآخرين.
قد ترغبين في الإطلاع على إعادة برمجة الدماغ للتغلب على الألم: كيف تتم؟ إليكِ إجابة علم النفس
الأفكار المتكررة أو المقلقة
العقل لديه طريقة خاصة للتعبير عن القلق غير المعالج، وهي تكرار الأفكار. إذا وجدت نفسك عالقة في دائرة تفكير حول نفس المشكلة أو تتخيلين سيناريوهات سلبية باستمرار، فهذا يعني أن هناك رسالة ملحّة تحتاج إلى انتباهك.
الحل ليس في قمع هذه الأفكار، بل في التعامل مع جذورها من خلال الحديث عنها، كتابتها، أو طلب مساعدة مختص.
كيف نتجاوب مع إشارات العقل؟
التوقف والاستماع: امنحي نفسك لحظات صمت لتسألي عقلك: ماذا تحتاج الآن؟
الرعاية الذاتية: النوم الكافي، التغذية الجيدة، وممارسة الرياضة ليست رفاهية، بل صيانة أساسية للعقل.
التعبير: لا تكبتي مشاعرك، تحدثي مع شخص تثقين به، أو اكتبي يومياتك.
طلب المساعدة: لا تنتظري حتى ينهكك عقلك. التوجه إلى مختص نفسي خطوة شجاعة تحميك من تفاقم الأزمات.
فهم إشارات العقل: خلاصة
العقل لا يصرخ فجأة، بل يبدأ بإشارات صغيرة. تجاهلها يحولها مع الوقت إلى صرخات قوية يصعب السيطرة عليها. لذلك، الإصغاء لتلك الإشارات مبكراً يعني أنك تمنحين نفسك فرصة للراحة والتوازن قبل أن تصلي إلى مرحلة الانهيار.
افهمي إشارات عقلك اليوم، قبل أن يفرض عليك التوقف غداً.
*ملاحظة من "سيّدتي" : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج استشارة طبيب مختص.